وتوفي ابن أبي الصلت سنة ٥٢٩ هـ (١١٣٥ م) أو في سنة ٥٤٦ هـ (١١٥١ م) وفق رواية أخرى (١).
ومنهم بنو زهر، وهي الأسرة الشهيرة التي لمعت في ميدان الطب والعلوم الطبيعية والكيمائية. وأصلهم من إشبيلية، ولكن عميدهم الأكبر، وهو عبد الملك ابن محمد بن مروان بن زهر الأيادي، نزح من إشبيلية إلى دانية. وكان فقيهاً حافظاً، روى بالأندلس عن طائفة من أهلها، ثم رحل إلى المشرق، وحج، ودرس بمصر والقيروان، ثم عاد إلى الأندلس، واستوطن دانية. وكان متفنناً في علوم كثيرة، ولاسيما الطب، الذي عنى بدراسته في المشرق على يد أقطابه، حتى نبغ فيه، وكان ذلك بداية هذه البراعة الطبية الفائقة، التي شملت أسرته الشهيرة، وامتدت إلى أبنائه وأحفاده. وتوفي عبد الملك بدانية، وجاء من بعده ولده أبو العلاء زهر بن عبد الملك، فكان صنو أبيه في دراسة الطب، والنبوغ فيه، وبدأ حياته بدراسة الحديث في قرطبة، ثم مال إلى علم الطب، فتلقاه عن أبيه، وبرع فيه براعة غلبت لديه على كل صفة أخرى، حتى غدا عمدة عصره في الطب والعلوم الطبيعية؛ ومن مؤلفاته " كتاب الطرر "، الذي كُتب عنه، و" كتاب في الأدوية ". وكان مع براعته في الطب أديباً، وشاعراً مقتدراً، ومن نظمه قوله:
يا راشقي بسهام ما لها غرض ... إلا الفؤاد وما منه لها عوض
وممرضي بجفون كلها غنج ... صحت وفي طبعها التمريض والمرض
جُدْ لي ولو بخيال منك يطرقني ... فقد يسُد مسدّ الجوهر العرض
وتوفي زهر بن عبد الملك، منكوباً على قول ابن الأبار، بقرطبة في سنة ٥٢٥ هـ (١١٣١ م)، ثم احتمل رفاته ودفن في إشبيلية.
وجاء من بعده ولده أبو مروان عبد الملك بن زهر، وهو المعروف في الغرب باسم Avenzoar. وقد برع عبد الملك في الطب براعة أبيه وجده، وذاع صيته في الأندلس والمغرب. ويعتبر عبد الملك بن زهر أعظم طبيب في العصور الوسطى بعد أبى بكر الرازي، ويعتبره تلميذه ابن رشد أعظم طبيب بعد جالينوس. وقد عاش ابن زهر في إشبيلية، واتصل بالمرابطين وصنف
(١) ترجمته في ابن خلكان ج ١ ص ٩٩، والقفطي في أخبار العلماء ص ٥٧، وكذلك في P. Boigues: ibid ; No ١٥٩