للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للأمير أبى إسحاق بن يوسف بن تاشفين كتابه المسمى " الاقتصار في صلاح الأجساد ". على أن أعظم مؤلفات ابن زهر هو كتابه " التيسير " وهو من أعظم مراجع الطب في العصور الوسطى، وقد ترجم إلى اللاتينية في عصر مبكر. ووُشي به إلى أمير المسلمين علي بن يوسف، فاستدعى إلى مراكش وسجن بها مدة ثم أفرج عنه، وعاد إلى بلده إشبيلية وتوفي بها سنة ٥٥٧ هـ (١١٦٢ م). وخلفه في مهنته ولده الطبيب الأشهر أبو بكر بن زهر، وحظى لدى حكومة الموحدين وهو أكثر انتساباً إلى عصر الموحدين، ومن ثم فسوف نعود إلى ذكره في موضعه المناسب (١).

ومنهم العلامة الزراعي أبو عبد الله محمد بن مالك التغنري، أصله من قرية تغنر من أعمال غرناطة. عاش في أوائل القرن السادس الهجري، وسكن إشبيلية، ودرس العلوم الزراعية على ابن بصّال الطليطلي، وبرع فيها، وكتب عنها كتابه المسمى " زهر البستان ونزهة الأذهان " وهو يسمى أحياناً باسم الحاج الغرناطي، وابن حمدون الإشبيلي.

إن هذا الثبت الحافل من المفكرين والعلماء الأندلسيين، الذين ازدهروا في العصر المرابطي، في مختلف ميادين العلوم والآداب، ومنهم عبقريات بارزة يزدان بها تاريخ الحركة العقلية الأندلسية، يحمل على كثير من التأمل. وإنه ليغدو من الصعب علينا إذا ما استعرضناه في شىء من الروية، أن نقول إن الحكم المرابطي، قد جنى بأساليبه الرجعية على سير الحركة الفكرية الأندلسية، وعاقها عن التقدم والازدهار. وكل ما يمكن أن يقال في ذلك هو أن ما اتخذه المرابطون من إجراءات للحجر على الدراسات الكلامية والشرعية والفلسفية، وتوجيهها إلى وجهاتهم الخاصة، ومطاردة كتب الأصول، قد يكون له أثره في سير هذه الدراسات، وإن كان لا يحق لنا أن نبالغ في تقدير هذا الأثر. أولا لأن هذه الدراسات كانت كغيرها من الدراسات العلمية والأدبية، قد تأثلت جذورها منذ بعيد، وثانياً لأن العهد المرابطي لم يطل أمده بالأندلس، ولم يلبث أن زالت بزواله السريع، كل ضروب الحجر والمطاردة التي اتخذت، ثم جاءت ثورة الأندلس ضد الحكم المرابطي، فكانت عاملا له أثره في إذكاء الحركة العقلية، ومدها بعناصر جديدة من القوة والاندفاع.


(١) وردت في الذيل والتكملة ترجمة حسنة لابن زهر وجده عبد الملك - مخطوط المتحف البريطاني السفر الرابع. ووردت في التكملة لابن الأبار ترجمة لزهر بن عبد الملك رقم ٩٠٧. وراجع عن بني زهر أيضاً " المطرب من أشعار أهل المغرب " لابن دحية ص ٢٠٣، وفي نفح الطيب ج ١ ص ٤٣٧ - ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>