حينما قدم المرابطون إلى شبه الجزيرة لإنجاد دول الطوائف، ورد عدوان اسبانيا النصرانية عنها، كانت الممالك الإسبانية النصرانية ثلاث، هي مملكة قشتالة، وهي أكبرها رقعة، وأوفرها قوة وموارد، ومملكة أراجون، وإمارة برشلونة أو قطلونية، وهي أصغرها. وكانت مملكة نافارا القديمة (نبرة)، قد اختفت يومئذ، مذ تآمر على اقتسامها سانشو راميريس ملك أراجون، وألفونسو السادس ملك قشتالة، واستولى الأول على نصفها الشرقي مما يلي جبال البرنيه واستولى الثاني على نصفها الغربي مما يلى نهر إيبرو، وذلك في سنة ١٠٧٦ م، ولم تظفر باسترداد استقلالها، والعود إلى استئناف دورها في شبه الجزيرة كمملكة مستقلة إلا بعد ذلك بنحو نصف قرن، وذلك عقب وفاة ألفونسو المحارب ملك أراجون في سنة ١١٣٤ م. وكان ألفونسو السادس، عميد الممالك الإسبانية النصرانية وقطبها، حين قدم المرابطون إلى شبه الجزيرة، وحين اشتبك معهم في موقعة الزلاّقة العظيمة، على رأس الجيوش النصرانية المتحدة، ولقى فيها هزيمته الساحقة (٤٧٩ هـ - ١٠٨٦ م)، بيد أنه نهض من غمار الهزيمة، وعاد يقود الجيوش القشتالية مرة أخرى، لمقاتلة المسلمين وغزو أراضيهم. ولبثت قواته في حصن لييط حيناً تعيث في أحواز مرسية ولورقة، إلى أن حاصره المرابطون وقوات الطوائف، ولم تستطع اقتحامه، حتى عاد ألفونسو لإنجاد فلول حاميته، ثم أخلاه (١٠٨٩ م).
ثم غزا شنترين من قواعد ولاية الغرب واستولى عليها سنة ١٠٩٣. واشترك بعد ذلك في حوادث بلنسية، عقب وفاة السيد الكمبيادور، وعاث في أنحائها، ثم غادرها حينما شعر بتفوق القوات المرابطية المتأهبة لاستردادها (١١٠٢ م).
ولما توفي يوسف بن تاشفين، وخلفه ولده علي، عبر إلى شبه الجزيرة، معتزماً أن يستأنف عهد الجهاد، وعبرت معه قوات مرابطية ضخمة، ونفذت الجيوش المرابطية مرة أخرى إلى أراضي قشتالة، يقودها الأمير أبو الطاهر تميم ابن يوسف، والتقت في ظاهر أقليش بقوات قشتالة، وكان الملك الشيخ - ألفونسو - قد تخلف عن قيادتها لضعفه، وبعث معها ولده الطفل سانشو ليبث فيها روح الإقدام والحماسة. وشاء القدر أن تكون موقعة أقليش " زلاقة " أخرى سحقت فيها الجيوش القشتالية، وقتل فيها الإنفانت الصبي سانشو، وحيد ألفونسو وولي عهده، وعدة من قادة قشتالة وأكابرها (٢٩ مايو سنة ١١٠٨ م) وذلك كله حسبما فصلناه في مواضعه. ولم يعش ألفونسو بعد هذه الضربة طويلا،