للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سليمان وأسره وتفرق جيشه (١٥٨هـ - ٧٧٥ م) (١). واستفحل أمر الثورة في الشمال، ولكن زعماء الثورة وعلى رأسهم سليمان بن يقظان لم يطمئنوا إلى ذلك النصر المؤقت لما يعلمونه من عزم عبد الرحمن وبأسه وروعة انتقامه، ففكروا في الاستنصار بملك الفرنج. وسار سليمان (وتسميه الرواية اللاتينية ابن الأعرابي) مع نفر من صحبه الخوارج، إلى لقاء شارلمان أو كارل الأكبر في ربيع سنة ٧٧٧ م (١٦٠هـ)؛ وكان يومئذ يقيم بلاطه في مدينة بادربورن من أعمال وستفاليا (شمال غربي ألمانيا)، ويعقد الجمعية الكبرى، حيث كانت جموع السكسونيين المغلوبة تعمّد للنصرانية، بعد أن شتت شارلمان شملهم وفر زعيمهم فيدوكنت؛ فهنا وفد عليه سليمان وصحبه، وعرض عليه المحالفة على قتال عبد الرحمن، واقترح عليه غزو الولايات الأندلسية الشمالية، وتعهد بمعاونته، وبأن يسلمه المدن التي يحكمها هو وصحبه من قبل أمير قرطبة ولاسيما سرقسطة، وأخيراً بأن يسلمه أسيره القائد ثعلبة بن عبيد. وتضيف الرواية اللاتينية إلى ذلك أنه كان مع ابن الأعرابي ولد ليوسف الفهري حاكم الأندلس السابق جاء ومعه صهره ليسعيا كذلك إلى خلع عبد الرحمن، وتقول الرواية الإسبانية النصرانية، إن الذي دعا شارلمان إلى غزو اسبانيا هو ألفونسو أمير إمارة ليون النصرانية (جليقية). ولكن الروايتين العربية والفرنجية (اللاتينية) كلتاهما صريحة في أن الدعوة جاءت من سليمان بن يقظان (الأعرابي) وحلفائه. والرواية العربية تقول لنا بمنتهى الوضوح، إن سليمان استدعى قارله (كارل أو شارلمان) ملك الفرنج إلى بلاد المسلمين، ووعده بتسليم برشلونة أوسرقسطة (٢). وتوافق الرواية اللاتينية على ذلك، وتزيد أن سليمان


(١) ويقدم إلينا الرازي بعض تفاصيل عن ذلك. فيقول لنا إن سليمان بن يقظان الكلبي (وهو الأعرابي) كان من زعماء سرقسطة، فلما ولى الثغر بدر مولى عبد الرحمن الداخل نقله إلى قرطبة، فحرضه البعض عل القيام بثأر قومه اليمانية فخرج من قرطبة إلى سرقسطة ودخلها. وخرج لمحاربة ثعلبة بن عبيد سنة أربع وستين ومائة، ونزل مدينة طرسونة، ووالى حربه، واضطرب على باب سرقسطة بمعسكره، فافترس سليمان بن يقظان غفلته، وافتراق أهل الجيش، فهجم عليه وأسر ثعلبة بن عبيد، وبعث به إلى ملك الفرنج. وأهم مفارقة في رواية الرازي هو التاريخ المتأخر الذي يقدمه إلينا عن هذه الموقعة، وذلك حسبما يتضح بعد من سير الحوادث (وقد نقل إلينا هذه الرواية العذري في كتابه ترصيع الأخبار الذي سبقت الإشارة إليه ص ١٢٥).
(٢) أخبار مجموعة ص ١١٢ و١١٣، وابن الأثير ج ٦ ص ٥ و٢١، وابن خلدون ج ٤ ص ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>