للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحلفاءه أعلنوا خضوعهم لملك الفرنج وانضواءهم تحت حمايته (١).

ولبى ملك الفرنج دعوة الثوار المسلمين ووافق على عروضهم. وبعث إليه سليمان بأسيره ثعلبة بن عبيد قائد عبد الرحمن، عنواناً للثقة والتحالف، فسجن في إحدى القلاع الفرنسية. وفي رواية أخرى أنه سلمه إليه عقب مقدمه إلى اسبانيا. وعلى أى حال فقد كان حصول هذا الأسير، وهو من خاصة عبد الرحمن وأكابر وزرائه في يد ملك الفرنج، ضربة لعبد الرحمن، ورهينة قيمة يمكن استغلالها. وكان سليمان زعيم أولئك الخوارج يعمل مستقلا لنفسه، ويرمي قبل كل شىء إلى تحطيم سيادة قرطبة، وإلى الاستقلال بما في يده تحت حماية ملك الفرنج. ولكن ملك الفرنج كانت له مشاريع أخرى. وكانت السياسة الفرنجية ترمي إلى تعضيد روح الثورة والخلاف في إسبانيا المسلمة، ولاسيما منذ انهارت سيادة الإسلام في جنوبي فرنسا وارتد المسلمون إلى ما وراء البرنيه. وبدأ تطبيق هذه السياسة منذ عهد ببين أبى شارلمان. وكان سليمان بن يقظان زعيم الثورة في الشمال يتصل بملك الفرنج منذ سنة ٧٦٠ م، أعني منذ استيلائه على أربونة واتصال الحدود الفرنجية بحدود اسبانيا المسلمة، ويسعى بهذا التحالف إلى تأييد استقلاله. وهكذا بدأت العلاثق تنتظم بين الزعماء المسلمين، الخوارج على حكومة قرطبة، وبين الفرنج المتربصين بدولة الإسلام في الأندلس، فكان الزعماء الخوارج كلما حاولوا الثورة والاستقلال بحكم مدينة أو ولاية، اتجهوا إلى الفرنج يستمدون عونهم ومناصرتهم، وكان الفرنج يسارعون إلى تلبية هذه الدعوات، ويتخذونها ذريعة للتدخل في شئون اسبانيا المسلمة، وإذكاء روح التفرق فيها، وسنرى كيف استطاع ملوك الفرنج تنفيذ هذه السياسة في فرص عديدة متعاقبة. والظاهر أن الخلافة العباسية في المشرق لم تكن بعيدة عن تأييد هذه السياسة في المغرب، والتوصل بذلك إلى مناوأة بني أمية الذين استطاعوا أن ينتزعوا هذا القطر النائي من أقطار الخلافة، ويقيموا فيه دولتهم الذاهبة على دعائم جديدة، فإن الرواية الفرنجية تحدثنا عن


(١) تراجع أقوال الرواية اللاتينية في مؤلف العلامة الأستاذ بيدال: Ramon Menendez Pidal: La Chanson de Roland y el Neotradicionalismo (Espana - Calpe, Madrid ١٩٥٩) p. ١٧٩-١٨٠. وهو مؤلف ضخم جامع، وأحدث ما أخرجه العلامة الإسباني، وهو يتناول حوادث موقعة باب الشزري بإفاضة شافية وتحليل ممتع. وراجع أيضا موسوعة بوكيه Bouquet. Vol.V.p. ١٤, ٤٠ & ١٤٢ وكذلك Reinaud: Invasions des Sarrazins, en France, p. ٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>