علائق المنصور وببين وتقول لنا، إن ببين بعث في سنة ٧٦٥ م سفارة إلى بغداد، ورد المنصور بإرسال سفراء إلى ملك الفرنج وفدوا عليه بعد ذلك بثلاثة أعوام، وقضوا حينا في البلاط الفرنجي في مدينة متز (١). وسار شارلمان ولد ببين على سياسة أبيه، فكان بينه وبين الرشيد فيما بعد تلك المكاتبات والسفارات الشهيرة التي فصلتها الرواية الفرنجية أيضاً، والتي نعود إليها في مقامها المناسب. وسنرى فيما بعد، أنه في الوقت الذي كان فيه يعقد هذا التحالف بين ثوار الشمال وبين ملك الفرنج، كانت ثمة محاولات تبذل لنشر الدعوة العباسية في الأندلس حيث نزل عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف بالصقلبي في تدمير يدعو للخلافة العباسية على نحو ما نفصل بعد.
وكانت إسبانيا المسلمة تجوز إزاء هذا الخطر الأجنبي الذي يتربص بها ظرفا من أدق ظروفها، فقد كانت مصايرها تهتز في يد القدر، وكان الإسلام يجوز فيها معركة الحياة والموت، بعد أن كان قبل ذلك بحقبة يسيرة يتدفق إلى ما وراء البرنيه بقوة، ويسود معظم أنحاء فرنسا الجنوبية. وكانت مملكة الفرنج بالعكس قد توطدت دعائمها، وانتزعت من الإسلام كل معاقله في فرنسا، بعد أن لبث مدى حين يزعجها ويهدد وجودها. وبينما اجتمعت كلمة الفرنج بزعامة الأسرة القارلية القوية، إذا بالإسلام في اسبانيا تعصف به ريح التفرق من كل صوب وتمزقه شر ممزق، وإذا بالأندلس تغدو بركانا من القلاقل والحروب الأهلية. وكان كارل الأكبر (شارلمان) مذ ولي العرش (سنة ٧٦٨ م) يشغل عن التدخل في اسبانيا المسلمة، بمحاربة القبائل الوثنية السكسونية فيما وراء الرين ليرد خطر اعتدائها على مملكته، وليخضعها إلى سلطانه. وكانت غزوات الأسرة القارلية تتخذ فيما وراء الرّين منذ عهد كارل مارتل، جد كارل الأكبر، لوناً دينياً عميقاً كالذي تتخذه حروب الفرنج مع العرب في غاليس. ذلك أن حروب الفرنج فيما وراء الرين كانت تتخذ مظهر حماية النصرانية، من خطر الوثنية المتدفق من المشرق، وكانت حروبهم في غاليس تتخذ مظهر حماية النصرانية، من وثبات الإسلام المتدفق من الجنوب. وكانت الكنيسة روح هذه المعارك توحي بها وتذكيها، إلى جانب شهوة الظفر والفتح. فلما ظفر الفرنج برد تيار الإسلام إلى ما وراء البرنيه، واستولوا