للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على جميع ثغوره ومعاقله في فرنسا، وفترت تلك النزعة الدينية العميقة، التي جعلت غاليس مدى نصف قرن مسرحا لصراع العرب والفرنج، بقيت الأطماع والبواعث السياسية، تحفز الفرنج إلى قتال الإسلام ومطاردته، وانتزاع اسبانيا أو على الأقل ولاياتها وثغورها الشمالية من قبضته، لتكون معقلا لدرء فورانه ووثباته من الجنوب.

وتشير الروايات اللاتينية إلى غايات السياسة الفرنجية من التدخل في شئون اسبانيا المسلمة، وتحدثنا عن هذا المزج بين الغايات الدينية والدنيوية. فأما عن الناحية السياسية فإن إجنهارت مؤرخ شارلمان يقول لنا إن الحملة التي نظمها الملك الفرنجي إلى اسبانيا كان يقصد بها مهاجمة قرطبة. وإنه ليبدو من ضخامة الجيش الذي حشده شارلمان، أن الأمر لم يكن متعلقا فقط بالاستيلاء على المدن التي وعد سليمان بن يقظان بتسليمها، وأن شارلمان كان يرمي بالعكس إلى السيطرة على اسبانيا كلها، أو على الأقل نصفها الشمالي. ويقول لنا "أبَدَال " وهو مؤرخ حملة شارلمان الإسبانية، إن الأمر لم يكن متعلقا بغاية دينية قوامها تحطيم دولة " كافرة " ولكن الحملة كانت ترمي إلى غاية سياسية قوامها أن يوضع حد لأخطار الغزوات الإسلامية لفرنسا. ويرى الأستاذ بيدال أن شارلمان لم تكن له غاية دينية خالصة في أية حملة من حملاته، وأن الباعث كان دائماً سياسياً، ولكنه يبطن في ثنيته الغاية الدينية. ذلك لأن المشكل الوحيد لإخضاع شعب " كافر " هو حمله على اعتناق النصرانية، وهذا ما وقع بالنسبة لحملات شارلمان ضد " الأفار " (١)، وضد " السكسونيين ".

ومن ثم فقد كان مسير شارلمان إلى اسبانيا يبطن الغاية الدينية إلى جانب الغاية السياسية، وهذا ما تؤيده الرواية اللاتينية Anales Mettenses، التي كتبت في حياة شارلمان، وفيها "أن كارلوس قد هزته شكاوى النصارى الإسبان الذين نكل بهم المسلمون فسار بجيشه إلى هنالك ". ويضيف الأستاذ بيدال إلى ذلك " انه وإن كان الإسلام يتسم حقا بالتسامح، إلا أن النصارى واليهود في اسبانيا كانوا يعانون ضغطا وإرهاقا في ظل الحكومة الإسلامية، ومن ثم فقد كان للنصارى المستعربين


(١) الأفار أو الأفاريين Avars هم مجموعة من القبائل القوية كانت تسكن حوض نهر الدانوب الأوسط. وقد حطمهم شارلمان وانتهى الأمر بتنصيرهم (٧٩١ - ٧٩٥ م).

<<  <  ج: ص:  >  >>