للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يستقبلوا شارلمان كمحرر لهم ". وتؤيد هذه النزعة الدينية للحملة، روايات لاتينية كثيرة أخرى معاصرة ولاحقة. بيد أن أقطع دليل على روح الحملة الدينية هو أن شارلمان قد أبلغ البابا هادريان بأمرها قبل أن يضطلع بها، وأن البابا بارك عزيمته ووعده بإقامة الصلوات، لكى يعود ظافرا إلى مملكته (١).

وكان كارل حينما استدعاه الخوارج المسلمون لغزو اسبانيا، قد انتهى من الحرب في سكسونية، وهزم القبائل الوثنية الجرمانية، وأخضع زعيمها القوي " فيدوكنت " وألجأه إلى الفرار، فجاءت الدعوة إليه في وقت ملائم. وانتظر كارل حتى مضى الشتاء، ثم سار إلى الجنوب وقت أعياد الفصح في أكوتين على مقربة من بوردو. وفي فاتحة ربيع سنة ٧٧٨ م، جمع قواته المؤلفة من فرنج نوستريا ومن الجرمان واللونبارد وفرق من بريتانيا وأكوتين، واخترق ولاية أكوتين، وقرر أن يفتتح الغزوة الإسبانية توا حتى لا يفاجئه الشتاء، وقسم جيشه الضخم إلى قسمين، عبر أحدهما جبال البرنيه من الناحية الشرقية، وعبرها القسم الثاني بقيادة كارل نفسه من الناحية الغربية، من الطريق الروماني القديم فوق آكام "جان دى لابور" الشاهقة التي تشرف على مفاوز رونسفال الوعرة، على أن يجتمع الجيشان على ضفاف نهر الإيبرو أمام سرقسطة حيث يلتقي شارلمان بحلفائه المسلمين. وكان عبوره لجبال البرنيه من " باب الشزرى " في شهر أبريل على الأرجح. واخترق شارلمان بلاد البشكنس أو نافار الحديثة، وحاصر عاصمتها بنبلونة، وهي قلعة النافاريين، واستولى عليها بعد قليل. وقد كان أولئك النافاريون دائماً شعبة خاصة من " البشكنس "، وكانت بنبلونة دائما مدينة البشكنس منذ أيام سترابون (٢). وقد كان البشكنس دائما يحاولون الاحتفاظ باستقلالهم منذ أيام القوط، وكثيراً ما لجأوا في سبيل ذلك إلى الخروج والعصيان، والامتناع بهضابهم وجبالهم الشاهقة. وكان هذا شأنهم حينما وفد شارلمان بقواته الضخمة، فقد كانوا يحرصون على هذا الاستقلال، ولا يودون الخضوع لأية جهة، لا إلى الفرنج، ولا إلى مملكة (جليقية)، ولا إلى إمارة قرطبة الإسلامية. ومن ثم فقد اضطر شارلمان إلى محاصرة بنبلونة وأخذها بالعنف. وهنا تبرز هذه الحقيقة، وهي


(١) راجع: R.M.Pidal: ibid, p. ١٨١, ١٨٢, ١٨٣, ١٨٤
(٢) R.M.Pidal: ibid, p. ١٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>