للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن شارلمان بغزو بلاد البشكنس، كان يحارب أمة من النصارى، وهو في ذلك لم تكن تحدوه سوى بواعث السياسة والفتح. ولم تكن النزعة الدينية خاصة بارزة في تلك الغزوة. أما الجيش الفرنجي الذي اخترق شرقي البرنيه، فقد كان يسير في منطقة يسيطر عليها الفرنج، مذ تقلص عنها سلطان المسلمين، منذ أيام ببين والد شارلمان، ومن ثم فقد كان يخترق بلادا صديقة، يرحب أهلها بمقدمه، أملا في عونه وحمايته.

وتقول لنا بعض الروايات اللاتينية (١) إن سليمان بن يقظان (ابن الأعرابي)، كان يتردد عندئذ بانتظام على بنبلونة، وإنه وفقا لتعهداته سلم الرهائن إلى شارلمان، وإنه قد وفد كذلك على بنبلونة أبو ثور بن قسي حاكم وشقه، وقدم أخاه وولده رهينة، وقد بقيت هذه الرهائن في معسكر شارلمان حتى وقعت النكبة. بيد أنه توجد روايات أخرى مفادها أن الرهائن سلمت فيما بعد، حين وفود شارلمان على سرقسطة. وعلى أى حال، فقد سار شارلمان بعد استيلائه على بنبلونة ومعه سليمان إلى سرقسطة (٢)، وهي معقد المشروع كله حسبما اتفق عليه في بادربورن؛ وكان القسم الآخر من الجيش، قد اخترق في تلك الآونة منطقة جيرندة (جيرونة) وبرشلونة، واتجه غربا إلى سرقسطة حيث انضم إلى القوات التي يقودها شارلمان، وكان شارلمان، يعتقد حينما سار إلى سرقسطة أنه سيلقى هناك حلفاءه المسلمين على أهبة لمعاونته وتحقيق رغباته في الاستيلاء على المدينة الكبرى. ولكن الحوادث كانت تطورت عندئذ، ودب الخلاف بين الخوارج المسلمين. وكان الحسين بن يحيى الأنصاري والي سرقسطة حليف سليمان منذ البداية، وكان عضده في مشروعه لاستدعاء الفرنج، وبالرغم من أنه لم يذهب إلى بادربورن، ولا إلى بنبلونة، فقد كان موافقاً على الحلف الذي عقده سليمان مع شارلمان، وعلى العهود التي قطعها له. والظاهر أن الحسين نقم على سليمان موقف الصدارة والزعامة الذي اتشح به إزاء الفرنج، فنشبت بينهما الخصومة، أو أنه خشي عاقبة التورط في حلف الفرنج. فعدل موقفه في آخر لحظة حينما شعر بمسير الفرنج إلى مدينته والظاهر أيضاً أنه لم يكن في سرقسطة حينما أقبل إليها الجيش الفرنجي؛ إذ تقول


(١) R.M. Pidal: ibid, cit. Anales Breves.p. ١٨٧
(٢) ابن الأثير ج ٦ ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>