ولاية البرتغال تشمل يومئذ المنطقة الواقعة بين نهر منيو (نهر منديجو)، ونهر التاجُه حتى أسفل مصبه، وبها عدة مدن هامة هي براجا وبورتو وقلمرية وبازو ولاميجو (مليقة) وعدة بلاد وضياع أخرى، ومنح الكونت هنري الذي لقب عندئذ بالدوق، حكم هذه الولاية لا باعتبارها إمارة مستقلة، ولكن على قاعدة الإقطاع باعتبارها تابعة لمملكة قشتالة، تؤدي الجزية إليها وتشاركها في حروبها ضد المسلمين بفرقة من ثلاثمائة فارس ويتوارثها عقبه (١). بيد أن تريسا زوجة هنري كانت تلقب بالملكة لأرومتها الملكية. وجعلت مدينة قلمرية حاضرة الإمارة الجديدة، ومن ثم فإن الرواية العربية قد جرت على تسمية أمير البرتغال، أو ملكها فيما بعد " بصاحب قلمرية ". وبالرغم مما بذله الكونت هنري للمحافظة على حدود ولايته، فإن المسلمين استطاعوا غير بعيد أن يستردوا أشبونة وشنترين. ولما توفي ألفونسو السادس في سنة ١١٠٩ م، جاءت وصيته الخاصة بوراثة العرش مؤيدة لحقوق هنري الوراثية في حكم ولاية البرتغال، ولكن في ظل قشتالة. بيد أنه كان في الواقع يحكم ولايته مستقلا، وكانت تبعيته لقشتالة مسألة اسمية فقط.
ولما نشبت الحرب الأهلية بين الملك ألفونسو المحارب وزوجه الملكة أوراكا، وقف الكونت هنري في البداية إلى جانب ملك أراجون في موقعة كامبودي سبنيا، إذ كان يخشى على استقلاله من الملكة أوراكا، بيد أنه لما تطورت الحوادث وهزمت أوراكا وحوصرت في أسترقة، تحول هنري إلى مهادنتها، ثم حارب إلى جانبها وعبر إلى فرنسا، ليستقدم الحشود لمعاونتها، وذلك مقابل حصول البرتغال على مدينة توي والأراضي الواقعة على ضفة منيو اليمني. ثم توفي الكونت هنري عقب ذلك في مايو سنة ١١١٢ م، ولم يترك سوى طفل في الثالثة من عمره يدعى ألفونسو، فتولت أمه الملكة تريسا الحكم، بطريق الوصاية عليه وكانت دونيا تريسا، فضلا عن جمالها، امرأة وافرة الذكاء والعزم والإقدام، وكانت تجيش بأطماع كثيرة في سبيل تدعيم سلطانها واستقلالها، وتوسيع رقعة إمارتها. وقد رأينا فيما تقدم كيف عملت خلال الحرب الأهلية في قشتالة على انتهاز الفرص، وتحالفت مع الكونت دي ترافا والثوار الجليقيين غير مرة، ضد أختها أوراكا، ثم حاربت إلى جانب أوراكا والأسقف خلمريث، وكيف استطاعت
(١) R. Altamira: Historia de Espana y de la Civilizacion Espanola V. I. p. ٣٥٧