وجهها أمير المسلمين علي بن يوسف بتقريع قادته وجنده عقب هزيمتهم أمام ابن رذمير (ألفونسو المحارب) في أراضي بلنسية
(منقولة عن المخطوط رقم ٥٣٨ الغزيري المحفوظ بمكتبة الإسكوريال لوحة ١٣ أ - ١٣ ب).
" من أمير المسلمين وناصر الدين، أما بعد،
يا فرقة خَبُثتْ سرايرها، وانتكثت مرايرها، وطايفة انتفخ سحرها، وغاض على حين مرَّة بحرها، فقد آن للنِّعم أن تفارقكم، وللأقدام أن تطأ مفارقكم، حين ركبتموها جلواء عارية، وأصبحتم في ادِّراع عارها أمثالا سواسية، واختلط المرعى منكم بالهمل، فما يتبين الأنقص من الأكمل، فطأطأتم لها رءوس عشايركم، وقضيتم بالفسولة على سايركم. لا جرم أن قد صرتم سمر الندى، والأحاديث المُلِعنة بالغداة والعشي، بما خامركم من الجبن والخور، واستهواكم من لقاء عدوكم بالجانب الأزور، لا تواجهونهم طرفة عين، ولا تعاطونهم حُمَة حين، بل تعطونهم الظهر هنياً مرياً، وتتخذونهم وراءكم ظهرياً، والرماح نحوكم لم تشرع، والخيل لم تسرع، والنفوس في حياض المنية لم تُكرع، فإنكم ثلة ذيابهم وفريسة أنيابهم، قد نعموا في بوسكم، وناهضوكم بلبوسكم، وحاربوكم عاماً على إثر عام، حتى ألزقُوكم، وتركوكم أسلح من حُبارى، وأشرد من نعام.
فالآن حين ملأتم أيديهم متاعاً، وواديهم سلاحاً وكراعاً، قد غزوكم في عقركم، وأذاقوكم وبال أمركم، فلذتم بالجدران، وبؤتم بالندامة والخسران.
بابغايا بني الأصفر، وسجايا ذوات الدَّلِّ والخفر، أكرهتم زَحَافهم، وكنتم - علم الله - أضعافهم؟ أفما لكم بالمعذرة، وأين؟ وقد فرض الله الواحد منكم بالإثنين، فقال: " إن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ". هذا، وعلمتكم العليى، وحلوبتكم الحياة الدينى، ماشئتم من صارم، وطرف ونحض وركايب وسوام، ونضايد وخيام.
فيا أسفاً للحق يدمغه الباطل، والحالي يبهره العاطل. لا بالحنيفية تحرّزتم، ولا إلى الحفيظة والإنابة تحيزتم. ليت شعري بماذا تقلدتموها هندية واعتقلتموها سمهرية خطية، وركبتموها جرداً سوابق، وملكتموها مغارب ومشارق؟