ثاوين في غير عدادكم، منتزين على أضدادكم، يؤدون الإتاوة إليكم حين أشرقنموهم بالهوان، وأنتم فيهم غرباء الوجه واليد واللسان، وصيروكم عبيد العصى، ولستم بالأكثرين منهم حصى، بل شرذمة قليل نفعها، كثير نجعها. فيا عجباً لذهولكم، شبانكم وكهولكم، تأكلون تمرها، ولا تَصْلون جمرها، وتذهبون بحلوائها، ولا تصبرون على لأوائها؟ أي بني اللئيمة، وأعيار الهزيمة، إلى م يريعكم الناقد، ويردكم الفارس الواحد:
إلى م يريعكم الناقد ... ويردكم الفارس الواحد
ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامد
تمنيتم مائتي فارس ... فردكم فارس واحد
فليت لكم بارتباط الخيول ... ضئاناً لها حالب قاعد
ومن لرعاة الإبل بالجد المقبل؟ لقِدماً ما أذهبتم التالد والطارف، وعجباً عجيباً من جذامي المطارف، وأنتم قد قدحتم في ملكنا، وأذِنتم بانتثار سلكنا، فلولا من لدينا من ذويكم، وضراعتهم إلينا فيكم، لألحقناكم عجلا بصحرايكم، وطهرنا الجزيرة من رُحَضايكم، بعد أن نوسعكم عقاباً، ونحدُّ أن لا تلووا على وجه نقاباً. فاللؤم تحت عمايمكم، والوهن والفشل، طي عزايمكم، لاكن ما جبلنا عليه من الأناة، وتوخيناه قدماً من إيقاظ ذوي الملكات، يكفنا عن استيصالكم، ويحملنا على شحذ نصالكم.
فاستنسروا يا بغاث الهيجا، واستيئسوا، بعد الرجا، واحذروا حلماً أغضبتموه، ووادياً من الصبر أنضبتموه، وتوقوا صدراً أحرجتموه، وليثاً من أجمته أخرجتموه، وأيم الله نقسم إنذاراً بكم، وإعذاراً لكم، لنوردنّ الفار منكم من الزحف، ما عافه من موارد الحتف، ولنتجاوزنّ السوط إلى السيف، ولنبدلنّ المعدلة فيكم بالحيف، فليعلم المقدم المحجم منكم عن الإقدام، أنه سلم من الحمام إلى الحمام، وتخطى مصرع الأسد الباسل إلى جذع مائل، وشهادة الأبرار إلى مشهد الذل والصغار، كما أن من أصيب منكم في حرب، أو أبلى بطعن أو ضرب، خلفناه في الأهل والولد، وبعناه الأثرة والكرامة يداً بيد، فاختاروا لأنفسكم وأعقابكم، وانضوا ثوب الخزي عن رقابكم، والسلام على من حمى الإسلام.
كمل ما كتب به الفقيه الأديب، الكاتب البليغ الأريب ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبى الخصال عن أمير المسلمين ".