ما رأينا أنه أعظم الكبائر جرماً وإفكاً، وأدناها إلى من تولاها دماراً وهلكاً، وأكثرها في نفس الديانة عبثاً وفتكاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. هل قام هذا الأمر العالي، إلا لقطع أسباب الظلم وعلقه، وسد سبيل الحق وطرقه، وإجراء العدل إلى غاية شأوه وطلقه. اللهم إنا نشهدك أن سبيلنا سبيلك، وإنا نستعيذك مما استعاذك منه محمد رسولك. روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أعوذ بالله من المغرم والمأثم " تنبيهاً على ما في أغرام الناس من الظلم المظلم. ولئن نقل إلينا - والله الشاهد - أن نوعاً من هذه الأنواع المحرمة أو صنفاً من تلك الأصناف المظلمة، يتولاه أحد هنالك من البشر أو يأمر بشىء من ذلك الفعل المستنكر، لنعاقبه بمحو أثره عقاباً يبقى [عظة] لمن اتعظ، وعبرة لمن تنبه لزاجر الحق واستيقظ.
وإن من ذلك الرأي الذميم والسعي المنقوم، ما ذكر لنا في أمر المسافرين، الذين يريدون الرجوع إلى أوطانهم وعمارتها، والطوائف المارة على البلاد لمعنى تجارتها، يتسبب إليه قوم من هؤلاء الظلمة الدخلاء، الذين يضعون الغش طي ما يوهمون به من النصيحة، ويستنبطون المكر في تصرفاتهم القبيحة، فيقولون للرجل منهم عندك من حقوق الله كيت وكيت، وإن للمخزن جميع ما به أتيت، ويقرنون بهذا من الوعيد والإغلاظ الشديد، ما يرضى له المذكور بالخروج عن جملة ماله، ويعتقد السلامة من ذلك الظالم الغاصب أعظم منالة، وإنها لداهية عاقرة، قاصمة للظهر فاقرة، ويا عجباً لكم معشر الطلبة والشيوخ وكافة الموحدين، فإنكم بذلك مطلوبون، وما حجتكم وما أنتم على حق، كيف تتكيف هذه الكبائر وأنتم للأمور هنالك رصد، أم كيف تجري هذه الظلمات وقد قام للحق أود، أم كيف تكون الدماء على هذه الصورة تسفك والحرمات تنتهك، ولا يمتعض لذلك منكم أحد، كلا ليعاقبنّ كل من جنى، وليظهرن ما قصد القاصد وما عنى، وإن من وراء قولنا لتتبعاً يبحث عن ذلك ويمحص، ونظراً يفرق بين المشكل منه ويخلص.
ولا شك - والله أعلم - في أن أسباب تلك المنكرات، ودواعي تغير تلك الأحوال المتغيرات، قوم يتوسطون بينكم وبين الناس، ويقولون ما لا يفعلون ذهاباً الى التدليس عليكم والإلباس، ويجعلون النفير بالظلم والعدوان بدلا من العقل والقول الجميل والإيناس، وذلك لغيب المباشرة ومباينتها، وبعدكم عن