للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرجت القوات الموحدية من إشبيلية في أول شهر ذي القعدة سنة ٥٦٠ هـ، وسارت نحو الشمال الشرقي معرجة على قرطبة، حتى وصلت إلى أندوجر، وهي من معاقل ابن مردنيش التي تهدد سلامة قرطبة. فهاجمتها واستولت عليها في الحال عنوة، وبادر أهل الحصون المجاورة إلى إعلان الطاعة وطلب الأمان، وأغار الموحدون على أحواز أندوجر واستولوا على كثير من السبي والغنائم. ثم حشد السيد أبو حفص صفوة جنده من الموحدين والعرب وسار من أندوجر جنوباً، قاصداً إلى مرسية، من طريق السهل، فوصل إلى مشارف مدينة بسطة، دون أية مقاومة، وجنده تعيث في تلك المنطقة، وتنتزع الأقوات وتستاق الماشية، وهنالك على مقربة من بسطة وافته حشود غرناطة ومنهم فرقة من الرماة، وسار الجيش الموحدي بعد ذلك صوب لورقة، ماراً بحصن بلج أو بلش (١) وهو من أهم معاقل ابن مردنيش في تلك المنطقة، فسلم قائده العزفي وأصحابه بالأمان، ووضعت به حامية موحدية (٢).

وكان محمد بن سعد بن مردنيش أثناء ذلك قد حشد قواته، ومنها جمع كبير من النصارى، وخرج من مرسية يزمع اعتراض الموحدين عند لورقة، ويحول دون سلوكهم منها إلى مرسية، فلما رأى الموحدون صعوبة اختراق هذا الطريق الجبلي الوعر تحولوا إلى غرب لورقة، وانحدروا إلى السهل المسمى " بالفندون " وهو السهل الواقع بين لورقة وقرطاجنة، وهو من أخصب بقاع هذه المنطقة، ثم اخترقوا السهل نحو مرسية. وهذا ما ورد في خطاب الفتح الذي أرسل فيما بعد إلى مراكش. ولكن البيذق يقول لنا بالعكس إن الموحدين غلبوا على لورقة، وقرطاجنة وبلّش، ووحد أهلها، وأن ابن مردنيش حينما قدم إلى لورقة كان بها الموحدون (٣).

وكان ابن مردنيش في تلك الأثناء قد ارتد بجنده نحو مرسية من الطريق الجبلي. فلما كان يوم الجمعة السابع من ذي الحجة سنة ٥٦٠ هـ (١٥ أكتوبر سنة ١١٦٤ م)، أشرف الموحدون عند الظهر على فحص مرسية، على بضعة أميال منها، ونزلوا


(١) هو المسمى بالإسبانية Velez Rubio.
(٢) وردت تفاصيل سير الحملة الموحدية في خطاب الفتح الذي أرسل إلى مراكش بعد موقعة فحص الجلاب ونقله إلينا ابن صاحب الصلاة وسنأتي على ذكره.
(٣) كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>