للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأورية، وضرب السكة باسمه، ثم سار إلى أراضي تاودا، على مقربة من فاس، وعاث فيها وقتل كثيراً من أهلها، فسير الخليفة أبو يعقوب لقتاله جيشاً موحدياً بقيادة يوسف بن سليمان. وفي رواية البيذق أن الموحدين قاتلوا مزيزدَغ، حتى بددت قواته، وأذعن للتوحيد، ثم سمح له بأن يجوز إلى الأندلس، وهنالك نزل بقرطبة. ولكن صاحب روض القرطاس، يقول لنا بالعكس إن الثائر قتل وحمل رأسه إلى مراكش (١).

وقد أشرنا فيما تقدم إلى الحملة التي جهزها السيد أبو حفص لإمداد قوات الأندلس، وذلك حين سيره لمقابلة أخيه أبي سعيد بجبل الفتح. وقد عبرت هذه الحملة، وقوامها نحو أربعة آلاف فارس، معظمهم من العرب، البحر بقيادة الشيخين أبي سعيد بن الحسن، وأبي عبد الله بن يوسف، وسارت تواً إلى إشبيلية. وأرسل منها نحو خمسمائة فارس إلى مدينة بطليوس لتعزيز حاميتها، وتصادف أن كانت ثمة قوة من النصارى من أهل شنترين تغير على تلك المنطقة، فقاتلها الفرسان الموحدون ومزقوا شملها، وأفنوا معظمها. وسار الشيخان أبو سعيد وأبو عبد الله ببقية العسكر من إشبيلية إلى قرطبة لتعزيز جبهتها الدفاعية، إزاء هجمات ابن مردنيش. وما كاد الموحدون يستريحون قليلاً، حتى خرجوا إلى أحواز قرطبة، وهنالك التقوا في وادي " لك " القريب منها بجمع من عسكر ابن مردنيش، وهم الذين ينعتهم مؤرخ الموحدين " بالأشقياء "، فنشبت بين الفريقين معركة عنيفة، أبلى فيها الموحدون أحسن البلاء واستمر القتال بينهما طوال اليوم على شرب الماء، وافترقا دون حسم، وكان ذلك في شعبان سنة ٥٦٠ هـ (١١٦٥ م). وبعث الشيخان أبو سعيد وأبو عبد الله بأنباء المعركة إلى مراكش، ووصفا ما لقياه في القتال من هول ومشقة، وطلبا العون والإنجاد، فاهتم لذلك السيد أبو حفص وجهز في الحال جيشاً من الموحدين والعرب، وخرج من مراكش في قواته ومعه أخوه السيد أبو سعيد عثمان والي قرطبة، في أوائل شهر رمضان، وأسرع في السير وعبر البحر، ووصل بجموعه إلى إشبيلية، وهنالك اجتمع بزعماء الموحدين، وقر الرأى على محاربة ابن مردنيش في عقر أراضيه قبل أن يبادرهم بمهاجمة قرطبة (٢).


(١) راجع أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٢٤، وروض القرطاس ص ١٣٧.
(٢) ابن صاحب الصلاة في كتاب " المن بالإمامة " لوحة ٥٧ ب و ٥٨ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>