للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علموا أن الملك كارلوس في منطقة سرقسطة، قد شقوا الطاعة، وخربوا وأحرقوا الأراضي حتى ضفاف الرين. ونمى ذلك إلى كارلوس وهو في اسبانيا، فلما وقف عليه عاد مسرعاً إلى فرنسا " (١). وربما كان في ذلك خير تفسير لانسحاب شارلمان، وتركه سرقسطة لمصيرها.

ارتد شارلمان على رأس قواته المجتمعة وفي ركابه سليمان أسيره وعدد من الرهائن وسار شمالا نحو بلاد البشكنس. وكان النافاريون في تلك الأثناء قد جمعوا فلولهم، واعتزموا الدفاع عن حاضرتهم بنبلونة وعن حرياتهم التالدة، خصوصا وقد شجعتهم وقفة سرقسطة وصاحبها الحسين ضد الملك الفرنجي، وانضم إليهم كثير من المسلمين من أبناء الأنحاء المجاورة، للتعاون في دفع العدو المشترك؛ ولكن شارلمان هاجم بنبلونة بعنف، ولم تجد بسالة النافاريين وحلفائهم المسلمين شيئا، فتركوا المدينة، وتفرقوا في مختلف الأنحاء؛ واستولى شارلمان على بنبلونة للمرة الثانية، وهدم حصونها وأسوارها حتى لا تعود إلى المقاومة إذا عاد إلى تلك الأنحاء، ولكي يمهد لجيشه طريق العود المأمون إلى فرنسا.

وغادر شارلمان بنبلونة متجهاً إلى جبال البرنيه من طريق هضاب رونسفال المؤدية إلى باب الشزري. فما الذي حدث عندئذ؟ تقول الرواية العربية إن شارلمان " لما أبعد من بلاد المسلمين واطمأن، هجم مطروح وعيشون إبنا سليمان في أصحابهما، فاستنقذا أباهما ورجعا به إلى سرقسطة " (٢). وفي هذه الكلمات القليلة تشير الرواية العربية إلى النكبة الهائلة التي أصابت الجيش الفرنجي أمام باب الشزري والتي تقدم إلينا الروايات اللاتينية اللاحقة تفاصيلها.

والظاهر أيضا من الرواية العربية أن ولدي سليمان، حينما قبض شارلمان على أبيهما، عادا إلى الاتفاق مع الحسين بن يحيى على مقاومة الفرنج، وجمعا في الحال قوات أبيهما وأتباعه، وسارا بجيشهما في أثر ملك الفرنج يحاولان مهاجمته وإنقاذ أبيهما من أسره. وكان شارلمان في ذلك الحين قد غادر بنبلونة بعد تخريبها متجهاً صوب جبال البرنيه، ليعبرها كرة أخرى إلى فرنسا، وكان عبوره من نفس الطريق التي أتى منها، أعني من مفاوز رونسفال. ويقع ممر رونسفال Roncesvalles،


(١) R.M.Pidal: ibid ; cit. Chronicon Moissiocense ; p. ١٨٩
(٢) ابن الأثير ج ٦ ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>