للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يسمى بالعربية " باب شيزروا " (١)، أو باب الشزري، في طرف البرنيه الغربي شمال شرقي بنبلونة، وعلى قيد عشرين كيلومتر منها، وهو أحد ممرات عدة كانت تستعمل منذ عهد الرومان لاختراق البرنيه من الشمال أو الجنوب. وهي نفس الممرات أو الأبواب التي كان يستعملها العرب للعبور إلى غاليس (٢). وقد لبثت هذه الجبال الوعرة الشاهقة على ممر القرون حاجزا منيعا يفصل بين شبه الجزيرة الإسبانية وبين غاليس، ولا يتأتى للغزاة، عبوره إلا خلال هذه الممرات الشهيرة. ففي مفاوز رونسفال الوعرة، وتجاه ممر البرنيه المسمى بهذا الاسم أعني باب شيزروا، وقعت المفاجأة الهائلة. ذلك أن الجيش الفرنجي ما كاد يبدأ عبور الجبال، حتى أشرف المسلمون بقيادة عيشون ومطروح على مؤخرته، وهاجموه بشدة رائعة، وفصلوا عنه مؤخرته، وانتزعوا منها الأسلاب والأسرى، وفيهم سليمان بن يقظان. والرواية العربية صريحة في أن المسلمين هم الذين دبروا هذا الهجوم الفجائي، على مؤخرة الجيش الفرنسي، ولكن بعض الروايات اللاتينية التي تتحدث عن الموقعة، تقول لنا إن الذين


(١) هذه هي تسمية الشريف الإدريسي، وهي مشتقة من الاسم الروماني القديم Portus Ciserei أو Portus Sizarae
(٢) يقدم لنا الشريف الإدريسي وصفا دقيقا لجبال البرنيه التي تسمى في الجغرافية العربية بجبال البرت أو البرتات كما قدمنا، وللأبواب الرومانية التي كانت بها فيقول: " وطول هذا الجبل من الشمال إلى الجنوب مع سير تقويس سبعة أيام، وهو جبل عال جدا صعب الصعود، وفيه أربعة أبواب فيها مضايق يدخلها الفارس بعد الفارس. وهذه الأبواب عراض لها مسافات وهي منحرفة الطرق. وأحد هذه الأبواب الباب الذي في ناحية برشلونة ويسمى " برت جاقة " (جاكا)؛ والباب الثاني الذي يليه يسمى " برت أشبرة "؛ والباب الثالث منها يسمى " برت شيزروا " Roncesvalles وطوله في عرض الجبل خمسة وثلاثون ميلا؛ والباب الرابع منها يسمى " برت بيونة ". ويتصل بكل برت منها مدن في الجهتين، فما يلي برت شيزروا مدينة بنبلونة؛ والباب المسمى جاقة عليه مدينة جاقة. (راجع نزهة المشتاق للشريف الإدريسي؛ وكذا وصف الإدريسي لجغرافية الأندلس ص ٦٥ من طبعة Saavedra) وظاهر أن كلمة برت تعنى الباب أو الممر، وأصلها من الإسبانية Puerta وقد سميت جبال البرنيه بالعربية البرتات نسبة إلى الأبواب والممرات المذكورة. والجغرافية الحديثة لا تختلف كثيرا عما تقدم، وفيها أن هذه الأبواب والممرات خمسة: (١) ممر بربنيان، بين برشلونة وأربونة (٢) ممر بوكيردا الموصل إلى شرطانية (٣) الممر بين بنبلونة وسان جان دى بييدبور (ويسميها الإدريسي شنت جوان) وهو باب شيزروا (٤) ممر تولوز (طلوشة) إلى بيونة (٥) ممر جاكا. وكانت هذه الأبواب أو الممرات تستعمل لاختراق الجبال حين الغزو إلى فرنسا ومنها في طريق العودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>