للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاجموا مؤخرة شارلمان حين ارتداده، هم البشكنس النصارى انتقاما لما أنزله الفرنج ببلادهم وعاصمتهم بنبلونة من العيث والتخريب. وإليك ما تقوله هذه الرواية: " إن شارلمان عاد من سرقسطة إلى بنبلونة، وهدم أسوار هذه المدينة من أساسها لكي لا تستطيع الثورة عليه وقرر العودة، وبدأ يجوز شعب البرنيه. وهنا، وفي أرفع نقطة هجم البشكنس، وقد كانوا يكمنون في المؤخرة، وأوقعوا الخلل في الجيش كله، فساده أيما اضطراب وجلبة، وبالرغم من أن الفرنج أبدوا تفوقهم على البشكنس، سواء في السلاح أو الروح المعنوية، فقد بقوا هم الأضعف بسبب رداءة الموقع وعدم التكافؤ في وضع المعركة " (١).

وهنا يحق لنا أن نتساءل إزاء هذا التناقض بين الروايتين، من هم الذين دبروا هذا الهجوم على مؤخرة الجيش الفرنجي؛ أهم المسلمون وحدهم حسبما تقرر الرواية العربية، أم هم البشكنس وحدهم حسبما تقرر الرواية الفرنجية؟ يقول الأستاذ بيدال، إنه لمن غير المعقول، بل ومن المستحيل أن يقوم البشكنس وحدهم بمهاجمة مؤخرة جيش عظيم كجيش شارلمان، والأكثر احتمالا هو أنهم يبحثون عن العون ضد المعتدي الخارجي، وإنه لكذلك من غير المعقول أن يستطيع إبنا سليمان وحدهما انتزاع الأسرى من الجيش الفرنجي، وذلك في الأرض المكشوفة ما بين سرقسطة وبنبلونة، وإنه لا يمكن الاعتقاد بأي حال بأن يسمح جيش شارلمان لنفسه أن يُفاجأ مرتين في أيام قليلة، وإذا فلا بد أن البشكنس والمسلمين معاً قد فاجأوه في شعب البرنيه: البشكنس الذين أثارهم تخريب بنبلونة، والمسلمون الذين يحاولون استنقاذ ابن الأعرابي والرهائن (٢).

ثم يقول العلامة الإسباني " إنه باستعراض سائر الروايات يبدو أن هناك حقيقة تاريخية، وهي أن المسلمين تعاونوا مع البشكنس في موقعة باب الشزري؛ وأن أنشودة رولان، وهي مستمدة من أناشيد معاصرة للنكبة، هي أصح من الرواية اللاتينية Anales Regios". ونقول نحن إن هذا الاستعراض لمختلف الروايات يدلي بأن المسلمين هم الذين دبروا الهجوم على مؤخرة الجيش الفرنجي، وإنه


(١) Anales Regios hssta ٨٢٩; cit.por R.M. Pidal: ibid ; p. ١٩١ & ١٩٢
(٢) R.M.Pidal: ibid ; p. ١٩٣ & ١٩٤ وراجع أيضا Conde: ibid, V.I. P.٢٠١ و Dozy: Hist.V.I.p. ٢٤٣ & notes وهل أدل على أن العرب هم الذين مزقوا مؤخرة الفرنج من أنشودة رولان الشهيرة، التي نتحدث عنها بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>