ألفونسو هنريكيز نحو عشرين عاماً، وقد غلب النسيان نوعاً على فقد هاتين القاعدتين الهامتين من قواعد الغرب لموقعهما النائي، ولكن تقدم البرتغاليين نحو بطليوس وماردة، بسقوط ترجالُه وقاصرش ويابرة وجلمانية، وتهديدهم لسائر الأراضي الواقعة على ضفتى نهر وادي يانه، زاد من خطورة الموقف، ونبه الموحدين إلى وجوب البدار إلى إنجاد الأندلس، والعمل على حمايتها.
وقد حالت الأحداث والفتن التي وقعت بالمغرب، والتي فصلناها فيما تقدم، دون تنفيذ هذا العزم حيناً. فلما حلت سنة ٥٦٤ هـ، هدأت تلك الفتن، واستتبت السكينة والسلام بالمغرب، لاح للخليفة ومعاونيه، أن الفرصة قد أزفت للعمل بالأندلس، فجهز أبو يعقوب جيشاً من الموحدين وغيرهم تحت إمرة الشيخ أبي حفص عمر بن يحيى كبير أشياخ الموحدين، وعبر هذا الجيش البحر إلى إشبيلية، ليكون مقدمة لحركة الجهاد العامة، التي اعتزم الموحدون القيام بها في الأندلس. ويبدو مما يقوله لنا ابن صاحب الصلاة، نقلاً عن أبي محمد سيدراي بن وزير، أن التعجيل بإرسال هذا الجيش، كان بسبب وصول الخبر بمهاجمة البرتغاليين لبطليوس، ومحاصرتهم للموحدين الممتنعين بقصبتها، وقد وقع الهجوم على بطليوس في شهر رجب سنة ٥٦٤ هـ (أبريل سنة ١١٦٩ م). على أنه يبدو من نص الرسالة التي وجهها الخليفة بهذه المناسبة إلى الموحدين بالأندلس والتي أرخت في اليوم الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة ٥٦٤ هـ. أن هذا الجيش الموحدي، قد جهز وأرسل إلى الأندلس، قبل حوادث بطليوس بنحو شهرين أو ثلاثة، ليكون طليعة لحركة الجهاد الكبرى، وليطمئن أهل الأندلس بوصوله وأنه فوجىء بحوادث بطليوس أثناء وجوده بإشبيلية.
وهذه الرسالة التي وجهها الخليفة أبو يعقوب " إلى الطلبة والموحدين الذين بجزيرة الأندلس " هي من إنشاء كاتبه أبي الحسن بن عياش، وهي تردد وتؤكد نفس الوعود التي قطعها الخلافة الموحدية على نفسها غير مرة، منذ أواخر عهد عبد المؤمن بالعمل على حماية الأندلس وغوثها ونصرتها (١)، وقد ورد فيما يلي بخصوص هذا الشأن:
" وما زلنا وفقكم الله على أتم العناية بتلكم الجزيرة، مهدها الله، والحرص
(١) أشرنا من قبل إلى رسالة بهذا المعنى وجهها الخليفة عبد المؤمن إلى ولده السيد أبي يعقوب أيام أن كان والياً لإشبيلية وذلك في ربيع الأول سنة ٥٥٥ هـ (القسم الأول ص ٣٧٩).