للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموحدون على سائر ما تركه البرتغاليون وراءهم من العتاد والمتاع والمؤن، وكانت مقادير وفيرة. وعاد فرناندو في قواته ظافراً إلى ليون. ووصلت أنباء النصر إلى إشبيلية، على عجل، وتلقاها الشيخ أبو حفص عمر، بينما هو يستعد للسير في قواته إلى بطليوس لإنجادها. فكتب في الحال إلى الخليفة أبي يعقوب، رسالة بالفتح، فسر الخليفة بذلك أيما سرور، ورفع الشعراء مدائحهم وتهانيهم.

ومنها قصيدة لشاعر الدولة الموحدية أبي عمر بن حربون هذا مطلعها:

بسعدك أضحى الدين جذلان باسما ... وباسمك أمسى الشرك للشرك هادما

إلا أنها فيما وعدت لآية يدين بها ... من كان بالله عالما (١).

- ١ -

لما انتهت معركة بطليوس بهزيمة البرتغاليين، وتوكيد سيادة الموحدين على المدينة، غادر الشيخ أبو حفص عمر إشبيلية في قواته وسار إلى قرطبة، لمعاونة واليها السيد أبي إسحاق إبراهيم، على تقوية جبهتها الدفاعية. وكان يخشى دائماً أن تهددها قوات ابن مردنيش من ناحية الشرق، عن طريق جيّان قاعدة حليفه وصهره إبراهيم بن هَمُشك، وتهددها القوات القشتالية من الشمال. بيد أن الخطر من ناحية الشرق تضاءل منذ موقعة فحص الجلاب، التي هزم فيها ابن مردنيش وحطمت قواته. ومن جهة أخرى فقد وقع الشقاق بين ابن مردنيش وصهره ابن همشك، وذلك بسبب طلاق ابن مردنيش لزوجته صُبيحة ابنة إبراهيم، بعد أن بالغ في إهانتها وإيلامها، فغادرته إلى كنف أبيها، وأسلمت إليه ابنها منه، ومما يروى أنها سُئلت عن ولدها، وكيف تصبر عنه، فأجابت " جرو كلب، جرو سوء، من كلب سوء لا حاجة لي به " فأرسلت كلمتها في نساء الأندلس مثلا (٢). وكانت الوحشة قد سادت قبل ذلك بين ابن مردنيش وصهره، وخشى ابن همشك على نفسه من غدر صهره، وراعه ما شهده بنفسه من إقدام ابن مردنيش على قتل وزيريه ابنى الجذع وبنائهما في الحائط، وغير ذلك من الأعمال المروعة، فاشتدت بينهما الوحشة، وانقلبا إلى خصمين لدودين، والظاهر من أقوال ابن الخطيب أنه قد وقعت بين ابن مردنيش وابن همشك على


(١) أورد لنا ابن صاحب الصلاة هذه القصيدة بأكملها في " المن بالإمامة " وتشغل
اللوحات من ١٢٤ إلى ١٢٦ أ.
(٢) ابن الخطيب في الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٣١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>