عزمه على الجهاد بالأندلس، وأقام به ثلاثة أيام، وانتهى رأي الموحدين عندئذ إلى أن يتقدم الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى بعسكر ضخم من الموحدين. وقد عبر الشيخ البحر إلى الأندلس بعسكره، ونزل في إشبيلية في نفس الوقت الذي كانت قد أنقذت فيه بطليوس من خطر السقوط في أيدي البرتغاليين، بمعاونة ملك ليون، وذلك كله حسبما فصلناه في موضعه.
ثم جاء مرض الخليفة، فعاقه عن الاستمرار في تنفيذ حركة الغزو التي وعد بها الموحدين بالأندلس. بيد أنه استمر بالرغم من مرضه في استدعاء جموع العرب من إفريقية، وجموع الموحدين من كافة الأنحاء، وتزويدهم بالأعطية والكسى. وكان تطور الحوادث في الأندلس، يؤذن بضرورة القيام باستعدادات عسكرية عاجلة توجه إلى شبه الجزيرة، وذلك قبل أن تتم الأهبة لتنفيذ الغزوة الكبيرة التي يزمع الخليفة القيام بها. وكان موطن الصراع يبدو في ناحيتين، الأولى في شرقي الأندلس، حيث كان ابن همشك منذ دخوله في طاعة الموحدين، يتلقى ضربات صهره القديم ابن مردنيش باستمرار، ويفقد معاقله تباعاً، ويلح في طلب النجدة من حلفائه الجدد، الموحدين، ويبعث بصريخه المتوالي إلى الخليفة وإلى الشيخ أبي حفص بقرطبة، وقد أوفد إلى مراكش لهذا الغرض وزيره القدير أبا جعفر الوقّشي، وكان قد جنح مثله إلى طاعة الموحدين. ثم عبر ابن همشك بنفسه البحر إلى العدوة، وقصد إلى الخليفة بمراكش (٥٦٥ هـ) مؤكداً طاعته ومكرراً صريخه. وكانت الناحية الثانية من مواطن الصراع، في غربي الأندلس، حيث تطورت الحوادث تطوراً سيئاً، وغدت مدينة بطليوس مرة أخرى، عرضة لتهديد النصارى المستمر. وكان يلوح أن حوادث شرقي الأندلس تتطلب تدخلا عاجلا، يكفل حماية ابن همشك وأراضيه إلى غدت جزءاً من أراضي الموحدين، والقضاء نهائياً على حركة ابن مردنيش والاستيلاء على بلاده، حتى تخضع الأندلس بذلك من أقصاها إلى أقصاها إلى سلطان التوحيد، وكان الشيخ أبو حفص يؤيد هذه السياسة، ويبعث من قرطبة إلى الخليفة بالحث على اتباعها ومن ثم فقد تقرر أن يسير السيد أبو حفص أخو الخليفة في جيش ضخم من الموحدين إلى جزيرة الأندلس لغزو ابن مردنيش وحلفائه النصارى، ومقاتلته في قلب بلاده، والاستيلاء على مرسية، قاعدته ومقر رياسته.
وخرج السيد أبو حفص في عسكره من حضرة مراكش في أول شهر