للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظمهم جميعاً. وخرج على ابن مردنيش غير ابن همشك، عدة من قرابته ووزرائه، ومن هؤلاء صهره يوسف بن هلال، وكان فارساً شجاعاً حازماً، حظى لدى أميره فصاهره، وندبه لرياسة حصن مطرنيش القريب من بلنسية وما حوله من الأراضي، ثم فسد ما بينهما، فثار ابن هلال، ولحق بمورتله (مورادال) وتحالف مع أمير برشلونة على أن يكون تحت حمايته، فأيده بقوة من الفرسان، وأخذ يغير على أحواز بلنسية، وينتزع بعض حصونها. وأوقع الهزيمة بابن مردنيش. ولكن حدث لسوء طالعه أن وقع ذات يوم أسيراً في يد سرية جردها صهره على مورتلة، فأخذ إليه، فأسرع به إلى مورتلة، وطالبه بإخلائها، وإلا نزعت عينه، فأبى، فأمر ابن مردنيش فأخرجت عينه اليمنى بعود، ولما تمادى في رفضه نزعت عينه الأخرى، ثم أخذ إلى شاطبه، حيث بقى بها إلى أن توفي (١). وكانت هذه الوسائل المثيرة في الانتقام من أبرز نزوات ابن مردنيش، وقد سبق أن أشرنا إلى ما يرويه لنا ابن صاحب الصلاة، من أنه قتل وزيريه ابنى الجذع وذلك ببنائهما في الحائط.

كان ابن مردنيش يعانى من هذه الظروف العصيبة والمتاعب المضنية، حينما وضع الموحدون خطتهم لإنزال ضربتهم الأخيرة به.

ففي شهر رجب سنة ٥٦٦ هـ (مارس سنة ١١٧١ م) خرج السيد أبو حفص وأخوه السيد أبو سعيد، والشيخ أبو حفص في جموع الموحدين من إشبيلية، ومعهم إبراهيم بن همشك، فلما وصلوا إلى قرطبة، أقاموا بها أياماً، يضعون خططهم النهائية. ثم خرجت القوات الموحدية من قرطبة، وسارت شرقاً قاصدة إلى مرسية، وكانت أول قاعدة غزوها من قواعد ابن مردنيش مدينة قيجاطة (٢) الواقعة شرقي جيان، بينها وبين لورقة. فاقتحموها بعد مقاومة قصيرة، وقبض على قائدها الشرقي وأعدم بإشارة ابن همشك، ثم اخترق الموحدون بعد ذلك بسائط الشرق في طريقهم إلى مرسية حتى وصلوا إلى فحصها، فنازلوها لاختبار مقدرتها الدفاعية، وتغلبوا على حصن الفرج في ظاهرها، وقد كان متنزه ابن مردنيش، ومنزل لهوه وأنسه، واستباحوا الرياض والبساتين، وسائر القوى والبسائط الخضراء في تلك المنطقة، وابن همشك يقود الموحدين ويدلهم


(١) ابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٦٠ و ٢٦٢.
(٢) وهي بالإسبانية Quesada

<<  <  ج: ص:  >  >>