للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحشدهم في صفوفه. وكانت تربط ابن مردنيش في البداية بسائر أمراء اسبانيا النصرانية، روابط المودة والصداقة، ولكنه لما توفي رامون برنجير الرابع ملك قطلونية وأراجون، وخلفه ولده ألفونسو الثاني في حكم مملكة أراجون المتحدة، تطورت الأمور، وساءت العلائق بينه وبين ابن مردنيش لإصراره على مطالبة ابن مردنيش بالجزية التي كان يدفعها لأبيه، ورفض ابن مردنيش لأدائها. وقد وصل العداء بين الأميرين، إلى حد أن ملك أراجون، بعث ببعض ضباطه وجنده للاشتراك مع الموحدين ضد ابن مردنيش في معركة فحص الجلاب (١). ثم تحسنت العلائق بعد ذلك بينهما حينما تدخل ملك قشتالة، وتعهد ابن مردنيش بأداء الجزية وتعهد ألفونسو الثاني بألا يساعد الموحدين أعداء ابن سعد بأية صورة. وأما علائق ابن سعد بقشتالة، فقد كانت على خير ما يرام، من المودة والصفاء، وكانت تربط ابن مردنيش بألفونسو الثامن ملك قشتالة صداقة متينة العرى.

وكان ابن مردنيش يحتفظ في بلنسية بحامية كبيرة من الجند القشتاليين، يعيثون في المدينة، وتغص بهم طرقها وأحياؤها، حتى ضاق بهم أهل المدينة المسلمين ذرعاً، وغادرها الكثير منهم إلى الضياع والقرى القريبة، وهم يضطرمون سخطاً على أميرهم المسلم، الذي مكن أعداءهم النصارى من دورهم وأموالهم ومرافقهم، وشردهم بذلك عن أوطانهم. وقيل إن ابن مردنيش هو الذي أخرج أهل بلنسية منها ليوسع لحلفائه النصارى (٢). وقد كان لهذه السياسة في اصطفاء النصارى وما تقتضيه من إرهاق المسلمين بالمغارم والفروض، وهي السياسة التي سبق أن أشرنا إلى طرف من عناصرها ومظاهرها، وأثرها العميق في النيل من هيبة ابن مردنيش والسخط عليه، وتبرم أهل شرقي الأندلس برياسته وتمنيهم زوالها.

وأما العامل الثاني في تضعضع قوي ابن مردنيش، فهو خروج قادته ووزرائه عليه. وقد كان انشقاق صهره إبراهيم بن همشك عليه، وانضمامه للموحدين، بلا ريب أعظم ضربة هزت من رياسته وسلطانه. فقد كان ابن همشك ساعده الأيمن، وكان أقدر قادته، وأوسعهم حيلة وأبعدهم صيتاً، بل كان ابن همشك في الواقع بالرغم من صفاته المثيرة، ومن قسوته، وروعة وسائله، واستهانته بالدماء، من أعظم قادة إسبانيا المسلمة في هذا العصر، إن لم يكن


(١) A. P. Ibars: Valencia Arabe, p. ٥٤٢
(٢) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>