أما السيد أبو سعيد فقد سار في عسكره تواً إلى حصن جلِّمانية الواقع على مقربة من غربي بطليوس، والذى اتخذه البرتغاليون بقيادة جيرالدو سمبافور قاعدة للإغارة على المدينة وإرهاقها، ونازله واستولى عليه عنوة، ثم هدمه، وانقشعت بذلك غمته، وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة ٥٦٦ هـ (نوفمبر ١١٧٠ م).
وعلى أثر ذلك عاد السيد أبو سعيد في صحبه وعسكره المظفر إلى إشبيلية (١).
- ٢ -
وما كاد السيد أبو سعيد يصل إلى إشبيلية، حتى عقد السيد أبو حفص مؤتمراً حربياً جديداً حضره السيد أبو سعيد، والشيخ أبو حفص عمر بن يحيى، واستقر فيه الرأي على القيام بمحاربة ابن مردنيش، وتحطيم سلطانه في شرقي الأندلس. وكان محمد بن سعد بن مردنيش، قد اضطربت شئونه خلال ذلك، وأخذت تخبو قواه، وموارده، ولاسيما منذ هزيمة فحص الجلاب الساحقة. وكان من أهم العوامل في انحلال سلطانه الشامخ الذي استمر منذ قيامه في شرقي الأندلس في سنة ٥٤٢ هـ، نحو عشرين عاماً يتحدى سلطان الموحدين، وينتبذ سيادتهم ودعوتهم، دون هوادة، عاملان يتلخص أولهما في مصادقة ابن مردنيش للنصارى، وانخلاعه إليهم، واعتماده المطلق عليهم. وقد رأينا فيما تقدم كيف كان النصارى المرتزقة، يؤلفون معظم قوات ابن مردنيش في أية موقعة يخوضها. والثاني، فيما نشب من الشقاق بين ابن مردنيش ومعظم وزرائه وقادته.
فأما عن العامل الأول، وهو مصادقة ابن مردنيش للنصارى، فقد كان أمراً طبيعياً، تمليه الظروف المحيطة بابن مردنيش، وثورته على الموحدين. وقد كانت ثورة ابن مردنيش، تمليها فضلاً عن الأطماع السياسة، بواعث وطنية، هي التي دفعت سائر القواعد الأندلسية إلى الثورة على المرابطين، وقد كان الموحدون خلفاء المرابطين في التغلب على الأندلس، فكانت ثورة ابن مردنيش على الموحدين، وكفاحه ضدهم، امتداداً لنفس الثورة، ونزولا على نفس البواعث. وكان النصارى حلفاء طبيعيين لابن مردنيش في هذا الصراع ضد العدو المشترك، أعني الموحدين الوافدين على شبه الجزيرة من وراء البحر. ولم يغفل ابن مردنيش عن أهمية هذا العامل، في اجتذاب النصارى إلى محالفته،
(١) ابن صاحب الصلاة لوحات ١٣١ ب و ١٣٢ و ١٣٣، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٨٥ و ٨٦.