للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوات البرية، وتولى ابن قاسم قائد أسطول ابن مردنيش مدافعة السفن النصرانية فهزمها وأحرق عدداً منها (١).

وجاءت حوادث ألمرية ضربة أخرى لابن مردنيش، وكان ابن مردنيش قد انتزع ألمرية من الموحدين، وندب لولايتها قائده ابن مقدم. فلما اجتاح الموحدون منطقة الأندلس الشرقية، واستولوا على لورقة وبسطة، واقتربوا من ألمرية، قام بألمرية ابن عم وصهر لابن مردنيش على أخته، هو محمد ابن مردنيش المعروف بصاحب البسيط، وتعاون معه محمد بن هلال أحد القادة الخوارج على ابن مردنيش، وأعلنا بطاعة الموحدين، وبعثا إلى السيد أبي حفص في طلب العون والإنجاد، فوجه إليهم قوة من الجند الموحدين، فقبض على الوالي ابن مقدم وأعدم. فلما علم ابن مردنيش بما حدث، أمر بقتل أخته زوجة ابن عمه وكانت بمرسية، وقتل ابنته منها، فقتلا إغراقاً، فجاء هذا الحادث البشع، دليلا جديداً على ما كان يتسم به ابن مردنيش من بالغ القسوة، والاستهتار بسفك الدماء، لا تعوقه في ذلك صلة رحم أو أية عاطفة إنسانية. يقول ابن صاحب الصلاة: " واختل ذهن ابن مردنيش في أثر ذلك، وقل عونه من الله ومن الناس هنالك، وعاد صبحه كالليل الحالك، وفزع من أذلته أهله وقرابته وشيعته وخاصته، واختلت حياته وحالته " (٢).

والواقع أن ابن مردنيش بما توالى عليه، في تلك الآونة العصيبة، من الضربات الأليمة، ومن انشقاق معظم قادته ووزرائه وقرابته، ومن استيلاء الموحدين على معظم قواعده، وتشددهم في حصاره وإرهاقه، قد بلغ ذروة اليأس والألم. وكانت الضربة الأخيرة والقاضية، ما بلغه من عبور الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف نفسه إلى الأندلس في جموع جرارة من الموحدين والعرب، ونزوله بإشبيلية، وذلك في شوال سنة ٥٦٦ هـ، فأيقن عندئذ بأنه لم تبق مندوحة عن الهزيمة المطبقة والسقوط النهائي. وكان يستشف خلال يأسه وألمه، نذر الخاتمة المحتومة المروعة، بيد أنه لم يهن ولم يفكر في أن يختتم ثورته العتيدة وسلطانه العريض، الذي استطال زهاء ربع قرن، بالتسليم المهين، لمن كان يعتبرهم أعداء قومه وبلاده، على أنه لم يلبث أن انهارت بنيته المتينة، وحطمه الغم واليأس. ويبدو


(١) A. P. Ibars: Valencia Arabe, p. ٥٣٢
(٢) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٣٦ و ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>