للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أقوال ابن صاحب الصلاة، أن ابن مردنيش قد انتهى به اليأس إلى نوع من الذهول والخبل، وزاد من ذهوله ما عمد إليه أخوه الرئيس أبو الحجاج يوسف من المبادرة إلى التوحيد. ثم جاء الموت فأنقذه من المصير المروع الذي كان ينتظره. وكانت وفاته حسبما يقول لنا ابن صاحب الصلاة، في العاشر من شهر رجب سنة ٥٦٧ هـ (٦ مارس سنة ١١٧٢ م) في الثامنة والأربعين من عمره، وهو تاريخ يحمل طابع الرجحان لأنه قول المؤرخ المعاصر (١).

وفي رواية أن ابن مردنيش لم يمت موتاً طبيعياً، وأنه انتحر بتناول السم (٢)، أو أنه توفي مسموماً بيد والدته. ذلك أنه لما اشتد على أهله وكبراء دولته، وأساء إليهم، نصحته أمه، وأغلظت له القول، فنهرها وخافت بطشه، لما تعلمه من وحشية طباعه، فدبرت قتله بالسم (٣). على أن هذه الرواية، لا تستند إلى أساس قوي، فإن ابن صاحب الصلاة وهو المؤرخ المعاصر، وشاهد العيان، لم يقل لنا شيئاً عنها. ومن جهة أخرى فإن ابن الأبار، وهو قريب من العصر، وقد عاش في بلنسية في عهد حفيد يوسف بن مردنيش، يذكر لنا أن ابن مردنيش، مرض خلال محاصرته، لجزيرة شقر، فغادرها عليلا إلى مرسية (٤). ويقول لنا المراكشي أيضاً إن ابن مردنيش توفي " حتف أنفه " خلال حصار مرسية (٥).

وهكذا هلك محمد بن سعد بن مردنيش. وكان موته نذيراً بانهيار دولته الشامخة، التي استطاع بعزمه وجرأته وشجاعته وبراعته، أن ينشئها في شرقي الأندلس، ما بين طرطوشة شمالاً وألمرية جنوباً، وما بين شاطىء البحر شرقاً وجيان غرباً، والتي لبثت زهاء ربع قرن تمثل سلطان الأندلس واستقلالها القومى، وتتحدى سلطان الموحدين وجيوشهم المتدفقة من وراء البحر، بل لقد لاح مدى حين أن ابن مردنيش يكاد يبسط سلطانه على الأندلس كلها، وذلك حينما استولى على جيّان وبياسة وأبدّة ووادي آش، واخترق أواسط الأندلس حتى


(١) ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة (لوحة ١٦٥). ويأخذ ابن الخطيب بهذه الرواية (الإحاطة ج ٢ ص ٩٠). ولكن ابن خلكان يقول لنا إن ابن مردنيش توفي في التاسع والعشرين من رجب سنة ٥٦٧ هـ (٢٧ مارس سنة ١١٧٢ م). راجع وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٩٣.
(٢) M. Gaspar Remiro: Murcia Musulmana p. ٢٢٨
(٣) ابن خلكان ج ٢ ص ٤٩٣.
(٤) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٣٧.
(٥) المعجب ص ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>