للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما يرجح قد اشتركت معهم جموع كبيرة من البشكنس في هذا الهجوم، وإن مضمون أنشودة رولان حسبما نقدمه بعد، يؤكد هذا الاستنتاج في إسناد الدور الرئيسي في الموقعة إلى المسلمين.

وقد وصفت لنا إحدى هذه الروايات اللاتينية، تعاون المسلمين والبشكنس في الهجوم، وفيها " أن جيش شارلمان كان يتكون من خمسة آلاف فارس من ذوي الأسلحة الثقيلة وعدد مماثل من المشاة، وأن المؤخرة كانت تتكون من ألف فارس ومعها دواب الحمل، وأن الكمين وقع في الأماكن الصاعدة من الطريق المعبد. وقد تعاون بشكنس بنبلونة والمسلمون ولاسيما مطروح وعيشون ولدي ابن الأعرابي، وكان هذا التحالف ضرورياً، لأن المسلمين كانوا في حاجة إلى المعرفة الدقيقة لهذه الوهاد وهو ما يتقنه البشكنس، وكان البشكنس بحاجة إلى مقدرة المسلمين في التنظيم العسكري، وهما معاً قد استطاعا أن يسحقا مؤخرة هذه الصفوف التي ارتجت لها سائر إسبانيا " (١).

وقع هذا الهجوم الفجائي من المسلمين على مؤخرة الجيش الفرنجي بمعاونة ْالبشكنس، فأسفر عن أروع نتيجة يمكن تصورها. ذلك أن الفرنج لم يحسنوا الدفاع عن أنفسهم في تلك الشعاب الضيقة المنحدرة. وقد فصلت مؤخرة الجيش الفرنجي، وانتزعت منها الأسلاب والأمتعة وفي مقدمتها الخزانة الملكية، وكذلك الرهائن، وفي مقدمتهم سليمان، ومزقت المؤخرة نفسها شر ممزق، وهلك خلال المعمعة الهائلة عدد عظيم من سادة الجيش الفرنجي وفرسانه، ولم تسمح المفاجأة المذهلة بأى عمل أو محاولة منظمة لإنقاذ الفرق المنكوبة. وكانت نكبة مروعة لبث صداها يتردد مدى عصور في أمم الغرب والنصرانية.

وتضع الرواية الفرنجية تاريخ الموقعة في ١٨ أغسطس سنة ٧٧٨ (ذى القعدة سنة ١٦١هـ) (٢). وقد رأينا فيما تقدم كيف تقنع الرواية العربية بالإشارة إليها في


(١) Anales Regios, cit. por R.M. Pidal: ibid. p. ١٩٧
(٢) ولكن الرواية العربية تقدم تاريخها عن ذلك فتضعها في سنة ١٥٧هـ (٧٧٤ م) وهي رواية ابن الأثير (ج ٦ ص ٥) والمقري في نفح الطيب (ج ٢ ص ٧٣). والظاهر من نص الرواية العربية أنها تنصرف هنا إلى بداية الحوادث لا إلى الموقعة ذاتها، وقد وقعت فيما بعد، وهو ما يفسر التباين بين التاريخين. ولا ريب أن الرواية الفرنجية أقرب إلى الصحة والتحقيق لأنها معاصرة قريبة من الحوادث.

<<  <  ج: ص:  >  >>