عبارات موجزة، وإن كانت مع إيجازها في منتهى الدقة، وكيف أن الرواية اللاتينية الفرنجية والكنسية تفيض بالعكس في تفاصيلها إفاضة واضحة، وقد أشرنا فيما تقدم إلى بعض هذه الروايات التي اقتبسنا بعض نصوصها، وربما كانت رواية إجنهارت (أينهارت) مؤرخ شارلمان، عن الموقعة، هي أدق هذه الروايات وأوثقها، فقد كتبت في سنة ٨٢٩ م بعد وفاة شارلمان بقليل، واعتمد فيها على كثير من أقوال المعاصرين وشهود العيان. وهو يفصل لنا حوادثها ويذكر من هلك فيها من الأمراء والسادة، ومنهم إيجهارد رئيس الخاص، وأنسلم محافظ القصر، وهردولاند حاكم القصر البريتاني، وكثير من الرؤساء ورجال الخاص والحاشية. وهردولاند، هو رولان Roland بطل الأنشودة الشهيرة، التي نظمت فيها بعد عن هذه الموقعة، واستمدت من أناشيد معاصرة لها، والتي ما زالت أثراً خالداً لقريض الفروسية في العصور الوسطى. بيد أن أنشودة رولان تنحرف في كثير من مناحيها إلى الأسطورة. وقد اتخذت الأسطورة من حوادث الموقعة موضوعا لقصة حربية حماسية حرفت فيها الوقائع الأصلية أيما تحريف، ولكنها تستبقي مكان الموقعة، وبعض أشخاص التاريخ. وقد رأينا أن نورد فيما يلي خلاصة هذه القصة أو الأنشودة الشهيرة:
" غزا شارلمان إسبانيا، ولبث يحارب فيها سبعة أعوام، حتى افتتح ثغورها ومدنها، ما عدا سرقسطة، وهي معقل الملك العربي مارسيل. وكان يعسكر بجيشه بجوار قرطبة، حين جاءته رسل مارسيل يعرض عليه الطاعة، بشرط أن يجلو الفرنج عن إسبانيا، فعقد شارلمان مجلسا من البارونات ومنهم رولان ابن أخيه. وكان رولان يرى أن تستمر الحرب، ولكن فريقاً آخر من السادة برآسة جانلون كونت مايانس، كان يرى الصلح والمهادنة، فغلب رأي هذا الفريق، لأن الفرنج سئموا الحرب والقتال، وأرسل جانلون إلى الملك مارسيل ليعقد معه شروط الهدنة. فأغراه مارسيل واستماله بالتحف والذخائر، واتفق معه على الغدر برولان وفريقه. ثم عاد إلى شارلمان وزعم أن مارسيل قبل شروط الفرنج، وبذا قرر شارلمان الإنسحاب. وتولى رولان قيادة المؤخرة. وكان معه الأمراء الإثنا عشر، وزهرة الفروسية الفرنجية. ولما وصل الجيش إلى قمة الممرات الجبلية رأى أوليفر أحد الأمراء، جيشاً من العرب، يبلغ أربعمائة ألف مقاتل.