القومس. الاحتفال بالنصر في إشبيلية. غزو الموحدين لأراضى قشتالة. وصولهم إلى طلبيرة وتخريب بسائطها. سعى النصارى إلى عقد المهادنة. عقد الهدنة بين الموحدين وبين صاحب طليطلة وملك قشتالة وملك البرتغال. دخول جيرالدو سمبافور وجنده في خدمة الخليفة. بقية أخباره ومصرعه. تعمير قواعد الغرب. تعمير مدينة باجة. نكث فرناندو ملك ليون وغزوه لأراضي الأندلس. مسير الموحدين إلى مدينة ردريجو. زواج الخليفة بابنة أمير الشرق محمد بن سعد. نكبة الخليفة لابن عيسى. تعيينه لأخيه أبي على والياً لإشبيلية وأخيه أبي الحسن والياً لقرطبة. مغادرة الخليفة لإشبيلية وعبوره إلى المغرب.
نرجع الآن قليلا إلى الوراء، لنتتبع مراحل الغزوة الأندلسية التي وعد بها الخليفة أبو يعقوب يوسف من بدايتها. وقد سبق أن أشرنا إلى مضمون الرسالة التي بعث بها الخليفة إلى الموحدين بالأندلس في شهر ربيع الآخر سنة ٥٦٤ هـ، يؤكد فيها حرصه على إغاثة الأندلس والعمل على نصرتها، ونياته في استئناف الجهاد، وإلى ما قام به من إرسال جيش موحدي إلى الأندلس، تحت إمرة الشيخ أبي حفص عمر، ليكون تقدمة لهذا الجهاد. بيد أنه لم تأت أوائل سنة ٥٦٥ هـ، حتى مرض الخليفة، واستطال مرضه زهاء أربعة عشر شهراً، حتى ربيع الأول سنة ٥٦٦ هـ. وكان يتولى علاج الخليفة خلال تلك النازلة الخطيرة، طبيباه، أبو مروان بن قاسم وأبو بكر بن طفيل (١). وهذه أول مرة تقدم إلينا الرواية الموحدية فيها، الفيلسوف والطبيب الكبير ابن طفيل، باعتباره طبيب الخليفة الموحدي، وكان يتولى الاتصال به وزيره أبو العلاء إدريس بن جامع، يعرض عليه المخاطبات الواردة في مسائل الوفود، وأخبار الشئون المطمئنة، وتحجب عنه الأمور المكدرة، والقاضي أبو محمد عبد الله المالقي إذ كان يثق بعلمه وأمانته وحسن نصحه وتدبيره، وبعض الثقاة من أشياخ الموحدين. وكان أهم ما عنى به الخليفة أثناء مرضه. هو العمل على استدعاء العرب من إفريقية وترغيبهم للمشاركة في الجهاد. وقد سبق أن أشرنا إلى طوائف أولئك العرب الذين كانوا يحتلون بعض مناطق إفريقية (تونس) الجنوبية، وهم من بني هلال، وسُليم، وزغبة، ورياح، والأثبج، وإلى أسباب نزوحهم إلى إفريقية، وما كان من موقفهم من الخليفة عبد المؤمن، وما قام به عبد المؤمن من محاولة استمالتهم إلى المشاركة في الجهاد بالأندلس. وقد لبثت السياسة الموحدية من ذلك الحين تعمل على استمالتهم وحشدهم في صفوف الجيوش الموحدية، وذلك بالرغم مما جبلوا
(١) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٣٨ ب.