عليه من التقلب وعدم الولاء. ومن ثم فقد حذا الخليفة أبو يعقوب في ذلك حذو أبيه، وبذل بالرغم من مرضه جهوداً خاصة، في استمالة أولئك العرب إلى مؤازرته فيما ينتويه من الجهاد، والقيام بالغزوة العظمى في جزيرة الأندلس، وكان مما أشار به الخليفة يومئذ، وهو يعلم ما للشعر البليغ في نفس العربي من عميق الأثر، أن توجه إلى العرب قصيدة حماسية، يشاد فيها برفيع أصولهم وأرومتهم، وكونهم هم السيف الماضي في نصرة الدين، وقمع المارقين والكافرين. فنظم طبيبه الفيلسوف ابن طفيل، تحقيقاً لتلك الغاية، قصيدة طويلة تفيض بلاغة، وروعة، وتدل على ما كان للفيلسوف في نفس الوقت، من منزلة عالية في النظم، تضعه في صف أكابر الشعراء. وإليك بعض ما جاء في تلك القصيدة الرائعة التي أوردها لنا بتمامها ابن صاحب الصلاة:
أقيموا صدور الخيل نحو المضارب ... لغزو الأعادي واقتناء الرغائب
وأذكوا المذاكي العاديات على العدا ... فقد عرضت للحرب جرد السلاهب
فلا تقتني الآمال إلا من القنى ... ولا تكتب العليا بغير الكتائب
ولا يبلغ الغايات إلا مصمم ... على الهول ركّابٌ ظهور المصائب
ومنها في استمالة العرب والإشادة بهم:
ألا فابعثوها همة عربية ... تحف بأطراف القَنى والقواضب
أفرسان قيس من بني هلال بن عامر ... وما جمعت من طاعن ومضارب
لكم قبة للمجد شدوا عمادها ... بطاعة أمر الله من كل جانب
وقوموا لنصر الدين قومة ثائر ... وفيئوا إلى التحقيق فيئة راغب
دعوناكم نبغي خلاص جميعكم ... دعاء بريئاً من جميع الشوائب
نريد لكم ما نبغي لنفوسنا ... ونؤثركم زلفى بأعلى المراتب
لكم نصر الإسلام بدءاً فنصره ... عليكم وهذا عوده جد واجب
فقوموا بما قامت به أوائلكم ... ولا تغفلوا إحياء تلك المناقب
وقد جعل الله النبي وآله ... ومهديّه منكم بلا عيب عائب
ومن ذا الذي يسمع ليبلغ شأوكم ... إذا كنتم فوق النجوم الثواقب
ومنها في الختام:
وما الحزم إلا طاعة الله إنها ... هي الحَرَم المنّاع من كل طالب