للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعدكم السيف الذي ليس ينثني ... إذا ما نبا سيف بِرَاحة ضارب

ونجعلكم صدر القناة إذا غدت ... تأطّرُ ما بين الحشى والترائب

وليس خطيب الصدق من قال فانبرى ... ولكن فعل الحرِّ أصدق خاطب

وما خلق الأعْراب خلاف موعد ... ولكن صدق الوعد خلق الأعارب

سنعلم من أوفى ومن خان عهده ... ومن كان من آت إلينا وذاهب (١).

وأمر الخليفة أن تتبع قصيدة ابن طفيل بشعر آخر يوجه إلى العرب، استعجالا لهم واستنهاضاً لهممهم، فوجهت إليهم قصيدة ثانية من نظم ابن عيّاش هذا مطلعها:

أقيموا إلى العلياء عوج الرواحل ... وقودوا إلى الهيجاء جرد الصواهل

وقوموا لنصر الدين قومة ثائر ... وشدوا على الأعداء شدة صايل

ْفما العز إلا ظهر أجرد سابح ... يفوت الصبي في شده المتواصل

وأبيض مأثور كأن فرنده ... على الماء منسوج وليس بسائل

وأسروا بني قيس إلى نيل غاية ... من المجد تجنى عند برد الأصائل

تعالوا فقد شُدت إلى الغزو نية ... عواقبها مقصورة على الأوائل (٢).

وقد كان لهذه الخاطبة الشعرية أثرها فيما يروى ابن صاحب الصلاة، في نفوس العرب في إفريقية، ولاسيما في منطقتي الزاب والقيروان، فاجتمع زعماؤهم، وحزموا أمرهم على المبادرة إلى الاستجابة لنداء الخليفة. وكان شيخ بني رباح وزعيمهم جبارة بن كامل بن أبي العيش، وهو الذي كان قد فر أيام عبد المؤمن من إفريقية، فيمن فر من أشياخ العرب، حين دهمتهم القوات الموحدية في جنوبي القيروان، قد عاد من المشرق في هذه الآونة بالذات بعد أن تجول في ربوعه حيناً، ورأى أن يقتدى بزملائه في الاستجابة إلى " الأمر العزيز ". فجمع قومه، وسار إلى بجاية، وقصد إلى أميرها السيد أبي زكريا يحيى أخي الخليفة، فأكرم وفادته، ولحق به بقية الزعماء والأشياخ، وتحرك الجميع في صحبة السيد


(١) أورد لنا ابن صاحب الصلاة تلك القصيدة في " المن بالإمامة " لوحات ١٣٩ أوب، و ١٤٠ أ، وهي تحتوي على أربعين بيتاً، ونقل ابن عذارى معظمها في البيان المغرب القسم الثالث ص ٨٨ و ٨٩. ونشرت في العدد الأول من مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد (سنة ١٩٥٣).
(٢) أوردها ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة ١٤٠ ب. وورد قسم منها في المعجب ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>