أبي زكريا إلى حضرة مراكش، ومعهم أموالهم وجملة كبيرة من عتاق الخيل، ولما وصلوا إلى تلمسان سار معهم واليها السيد أبو عمران موسى أخو الخليفة بمن عنده من العمال والأموال والخيل. وكان الخليفة أبو يعقوب قد شفى عندئذ من مرضه الطويل، فلما بلغته أنباء مقدم العرب، واقترابهم من الحضرة، سر بذلك أيما سرور، وخرج إلى المسجد الجامع يوم الجمعة السادس عشر من ربيع الأول سنة ٥٦٦ هـ، في جو يسوده الحبور والبشر، وبعد ذلك بيومين جلس الخليفة لاستقبال أشياخ الموحدين وطلبة الحضر، والأجناد والخاصة من أهل الوفود والقضاة، وخطب في هذا الحفل الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن عمر، والقاضي أبو يوسف، والفقيه أبو محمد المالقي، وأمر الخليفة بإخراج الصدقات للضعفاء والمساكين والوافدين الغرباء، ثم صدر الأمر بأن يكون وصول العرب الوافدين، ومن معهم إلى حضرة مراكش في ضحى يوم السبت الثاني من شهر ربيع الآخر سنة ٥٦٦ هـ.
وكانت الأوامر قد صدرت أثناء ذلك إلى جميع الجند الموحدين بالحضرة بالاستعداد واستكمال الزي والهيئة، وفرقت عليهم بهذه المناسبة الدروع، والبيضات والرماح والأسلحة والكسى والأعلام. وفي صبيحة يوم السبت المذكور بكر الحفاظ والطلبة من الموحدين وسائر الجند إلى باب السدّة، وانتظمت صفوفهم جُملا جُملا، تتقدمهم الطبول العديدة. ولما كمل ترتيب الموكب، برز الخليفة أبو يعقوب ممتطياً صهوة فرسه الأشقر، وإلى جانبه وزيره أبو العلا إدريس ابن جامع، سائراً على قدميه لصق ركابه، وهو يراجعه فيما يعن من الأمور، وفي ساقة الخليفة، يسير سائر الإخوة الصغار والبنين، ومن ورائهم حملة البنود، وأكابر الموحدين يحمل كل منهم علماً، وعليه درع سابغة لامعة تسطع تحت أشعة الشمس، وتتبعهم سائر الأجناد من الحشم والروم والعبيد. وتقرر أن يكون اللقاء في الفحص الشاسع القريب من المدينة، فلما وصل الموكب إلى الفحص المذكور، والطبول تقرع بشدة، والجيوش تبدو في أكمل هيئة، ضربت قبة الخليفة، ونزل فيها مع إخوته وبنيه. وأقبلت عساكر العرب وأهل إفريقية، ومعهم السيدان أبو زكريا يحيى، وأبو عمران موسى أخوا الخليفة. ولما التقى الموكبان على هذا النحو، أمر الخليفة أن يحمل الفريقان من العسكر كل على الآخر حملة مبارزة ورياضة ولعب، ففعلا، وتجاوبا وتصاولا حتى العصر، والطبول