للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ظهر ذلك اليوم، أمر الخليفة بإخراج البركة لسائر العساكر على قدر تمييزهم، فخص الفارس الكامل خمسة مثاقيل، وخص الراجل الكامل مثقالين، وذلك ابتداء من حركة الغزو لسنة سابقة.

وفي صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الأضحى، أمر الخليفة بصلاة العيد في ذلك الموضع، وألقى خطبة العيد أبو زيد بن عبدون قاضي تلمسان، وعقب الصلاة، سلم الإخوة والأشياخ والأكابر على الخليفة، ووزعت عليهم الأضاحى، وعند الظهر استؤنف السير مدى خمسة عشر ميلا، ونزل الموحدون بمرج القبذاق على مقربة من حصن ركّانة، ووصلوا في اليوم التالي إلى ركّانة، وقد اشتدت المجاعة بين الناس. وينوه ابن صاحب الصلاة خلال وصفه المستفيض لتلك الرحلة المضنية، في غير موضع، بما كان يعانيه الجيش المنسحب من نقص في المؤن، وغلاء شديد في أسعار القمح والشعير والدقيق. وعند مغادرة ركّانة أخطأ الأدلاء الطريق، وافترقت العساكر في شعب الجبال، واشتد بالناس الجوع والألم والضعف. وسار الخليفة إلى موضع يعرف " بمجمع الأودية " وهو الذي يلتقى فيه نهر شقر ونهر أغربالة (كبريل) ولحق به سائر الناس إلى هذا الموضع. ثم استؤنف السير في اليوم التالي، ونزل الخليفة قريباً من حصن بيتول، وهو من حصون بلنسية الأمامية. وهنا صدر الأمر بتسريح الحشود من أهل الشرق وجميع بلاد الأندلس إلى أوطانهم وسارت إلى بلنسية منهم جموع كبيرة (١).

ووصلت إلى الخليفة في هذا اليوم دفعة كبيرة من الدقيق والشعير والفواكه بعث بها إليه والي بلنسية يوسف بن مردنيش. هذا بينما هرع الناس إلى حصن بنيول يطلبون القوت والعون. ويقول لنا ابن صاحب الصلاة، وقد كان منهم، أنهم لم يجدوا شيئاً سوى بعض التين الأخضر، فقصدوا إلى بلنسية. ويصف ابن صاحب الصلاة بهذه المناسبة، مدينة بلنسية وجمالها ونضرة رياضها، بيد أنه يلاحظ أن الضعف كان بادياً عليها، وأن الخوف من الفتنة كان يزداد. وقضى الخليفة في محلته ثلاثة أيام بقرب حصن بنيول، ثم غادره في قواته فوصل إلى مدينة شاطبة في السابع عشر من ذي الحجة، وقضى بقصبتها يومين، وانتهز أشياخ الموحدين هذه الفرصة، فوعظوا أهل المدينة بالجامع عقب صلاة الجمعة، وبشروهم بالخير في ظل العهد الجديد.


(١) تراجع مواقع غزوة وبذة وارتداد الجيش الموحدي في الخريطة المنشورة ص ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>