للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغادر الخليفة بعد ذلك شاطبة، ونزل بحصن بليانة (١) على مقربة منها، ثم سار إلى حصن آصف، ثم إلى ألش، ووصل إلى أوريولة في الثالث والعشرين من ذي الحجة، وغادرها في اليوم التالي، قاصداً إلى مرسية، فنزل أولا بحصن أنوط (٢) على مقربة منها، ثم سار منه إلى المدينة، فخرج أهل مرسية لاستقباله، ودخل المدينة والأعلام تخفق والطبول تضرب، ونزل بقصرها، وقد احتشد أهل المدينة رجالا ونساء خاصتهم وعامتهم، لتحية الخليفة، والإعراب عن سرورهم بمقدمه، وكان الخليفة قد طلب إلى هلال بن مردنيش أن يعد الدور اللازمة لنزول الموحدين، فقام بتحقيق هذه الرغبة، وأنزل أشياخ الموحدين أكرم منزل، وقدم هلال إلى الخليفة ما وسع من الهدايا السنية، وما كان لدى أبيه من الجواري والسراري البارعات في الحسن، فتقبل الخليفة هديته، وأثابه عنها بالعطايا الجزيلة. ولم تمض أيام قلائل حتى ضاقت مرسية، بمن نزل فيها، ووفد إليها، من الموحدين وغيرهم، وارتفعت الأسعار، وعم الغلاء، ورغب كثير من الموحدين والعسكر المرتزقة في الرجوع إلى أوطانهم، فأذن لهم الخليفة، وارتحل كثير منهم. ولما دخل شهر صفر سنة ٥٦٨ هـ، صدر الأمر بخروج البركة لجميع الموحدين والعساكر المرتزقة، الذين اشتركوا في هذه الغزوة، فخص الفارس الكامل خمسة مثاقيل، وغيره أربعة مثاقيل، وخص الراجل مثقالين، وغيره مثقال ونصف، وتسلم كل شيخ بركة قبيلته، وافترق معظم الناس.

وانتهز الخليفة هذه الفرصة لينظم شئون مملكة الشرق القديمة، فأمر بإصلاح معاقل مرسية، وتحصيناتها، وندب مختلف الولاة لجهاتها وحصونها، وجمع هلال بن مردنيش وإخوته وعمهم أبا الحجاج يوسف في مجلسه، وأبدى لهم منتهى العطف والرعاية، وأنهم يكونون من جملة الموحدين والأهل، وأمرهم بالنظر في الارتحال معه، وأقر أبا الحجاج يوسف بن مردنيش على ولاية بلنسية وأقطارها، لما ثبت له من حسن إخلاصه وطاعته، وكذلك أبقى ابن عيسى القائد على ما كان بيده من حصن جنجاله وأراضيه، وأبقى غيره من قادة الحصون والثغور ممن ثبت إخلاصهم وصلاحهم.

وفي أول شهر ربيع الأول غادر الخليفة مرسية عائداً إلى إشبيلية، وعرج


(١) هو بالإسبانية Villena.
(٢) هو بالإسبانية Monetagudo، وقد بقيت أطلاله إلى اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>