في طريقه على مدينة غرناطة، وترك بها أخاه السيد أبا سعيد والياً لها، ووصل
إلى إشبيلية في الثامن عشر من ربيع الأول سنة ٥٦٨ هـ (نوفمبر ١١٧٢ م). ومعه الإخوة وفي مقدمتهم السيد أبو حفص، وخاصته من أشياخ الموحدين وأكابر الدولة، فاستقبله أهل إشبيلية وعلى رأسهم الحافظ أبو بكر بن الجد، استقبالا حافلا، وقدم معه بنو مردنيش في الأهل والولد، وفقاً لما أمر، وأنزلوا في قصر ابن عباد، والدور المتصلة به، واشترى لهم الخليفة ما لزم لسكناهم وسكنى أتباعهم من الدور، وعين منهم غانم بن مردنيش لرياسة جماعة من الجند الأندلسيين، وأصحاب أبيه وأهل الثغور والأجناد بإشبيلية، لتكون منهم قوة تضطلع بالغزو وحماية الأقطار من العدو وعيث البدو، ونظم هلالا والكبار من إخوته في جملة أشياخ الموحدين وأبناء الجماعة، يحضرون مجلسه العالي، ويشتركون في مباشرة الأمور، وإبداء الرأي تقريباً لهم وتشريفاً وتأنيساً، وكان غانم يخرج في قواته مع الموحدين إلى غزو أراضي قشتالة، وقد ظهر فيما بعد بشجاعته وكفايته. وكان مثلا طيباً للغزاة من الأجناد والعرب.
...
والآن وقد انتهينا من استعراض مراحل هذه الغزوة الأندلسية الأولى للخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن واستوعبنا تفاصيلها، وفقاً لرواية مؤرخها المرافق لها، والتي سجلها منذ بدايتها إلى نهايتها، يوماً بعد يوم، نحاول أن نستخلص منها ما يمكن أن تدلي به من الحقائق والعبر.
وأول ما تكشف عنه حوادث هذه الغزوة التي لم يطل أمدها أكثر من شهرين ما تجلى تحت أسوار مدينة وبذة من عجز الجيوش الموحدية وتفككها. ويبدو هذا العجز في أسطع صوره متى ذكرنا أن الجيش الموحدي الذي تصدى لحصار وبذة، كان يضم على الأقل عشرين ألفاً من الفرسان النظامية، منهم عشرة آلاف من الموحدين وعشرة آلاف من العرب، الذين عبروا مع الخليفة الموحدي إلى الأندلس حسبما أسلفنا في موضعه. وهذا غير المتطوعة وأجناد الأندلس، وهؤلاء يمكن تقديرهم أيضاً بعدة آلاف. فكيف يعجز هذا الجيش الكبير عن اقتحام مدينة صغيرة غير ممتنعة مثل وبذة، خصوصاً وقد كانت تضطلع بالدفاع عنها حامية محلية صغيرة من القشتاليين؟ إن مثل هذا العجز المطبق يكشف أولا وقبل كل شىء عن عجز القيادة الموحدية، ذلك أنه لم تكن بين أولئك الإخوة والأشياخ