الذين يلتفون حول الخليفة الموحدي، ويديرون دفة الغزوة، هيئة قيادة مقتدرة، بل لم يكن بينهم قادة أكفاء بالمعنى الصحيح، وكان مجلس القيادة يتخذ في معظم الأحيان صورة اجتماع عائلي، تغلب فيه الآراء الفطيرة، والقرارات المرتجلة، وبدلاً من أن نرى الخليفة يخرج من قبته ليقود جنده بنفسه، أو ليحثهم على التفاني في القتال، نراه في اللحظة الحرجة التي هزم فيها أهل الأندلس، وأجلوا عن مواقعهم، يجلس داخل قبته مع الطلبة الموحدين ليناقشهم في بعض المسائل الفقهية. ويجدر بنا ونحن نتحدث في هذا الموطن عن عجز القيادة الموحدية أن نعود قليلا إلى الوراء، لنذكر ما كانت عليه القيادة المرابطية في شبه الجزيرة من المقدرة والكفاية، وما كان يمتاز به القادة المرابطون من البراعة والدربة العسكرية العالية، وهي التي مكنتهم من أن يحرزوا بجيوشهم القليلة العدد، انتصاراتهم الباهرة في مواقع مثل إقليش وإفراغة.
هذا ومن جهة أخرى فقد كشفت غزوة وبذة، عما كان يسود الجيوش الموحدية من التفكك، وانعدام التناسق بين مختلف العناصر التي تتكون منها. وقد كان العرب الذين يرافقون الجيش الموحدي يحملون أكبر قسط من تبعة هذا التفكك، فقد رأيناهم يضنون بتعاونهم، ويحجمون عن القتال في الساعات الحرجة، وكان هذا الإحجام من جانب العرب يشل حركة الجيش الموحدي، وينال من مقدرته وقواه المعنوية. أضف إلى ذلك ما كشفته هذه الحملة من سوء تنظيم تموين الجيش الموحدي، وما ترتب على ذلك من ندرة الأقوات والعلوفات، وما كان يصيب الجند من جراء ذلك من الضيق والحرمان وانهيار القوي المعنوية (١).
- ٤ -
في الوقت الذي نزل فيه الخليفة أبو يعقوب يوسف بمرسية، ليستريح من وعثاء حملته المنكودة على وبذة، كانت تحدث في الجانب الآخر من شبه الجزيرة في غربي الأندلس، حوادث هامة، مؤسفة في نفس الوقت. وكان ملك البرتغال مذ فتت في عضده نكبته في معركة بطليوس في شعبان سنة ٥٦٤ هـ (١١٦٩ م) قد لزم السكينة حيناً، وهو يرقب الحوادث والفرص، فلما غادرت الجيوش الموحدية قواعدها في إشبيلية في غزوتها إلى وبذة، شعر بأن الفرصة قد سنحت
(١) تستغرق يوميات ابن صاحب الصلاة عن غزوة وبذة من كتاب " المن بالإمامة " نحو ستة عشرة صفحة كبيرة من لوحة ١٧٣ أإلى لوحة ١٨٩ ب.