للعمل، وكان يطمح بعد فشله في افتتاح بطليوس، إلى الاستيلاء على مدينة باجة الحصينة، أهم قواعد ولاية الغرب في تلك المنطقة، وكانت باجة، مذ أقيل عن ولايتها سيدراى بن وزير، وبسط الموحدون سيادتهم على قواعد ولاية الغرب، قد أسندت ولايتها إلى بعض الحفاظ الموحدين، فتولاها عمر بن تيمصلت التينمللي مدى حين، ولكنه لم يفلح في تهدئة ما ثار بها من الفتن بين أعيانها وبين الدهماء، فعزل عنها، وولى عليها طالب بربري من الحفاظ يسمى عمر بن سحنون، كان عاجزاً، يغلب عليه الطيش، فاتصل به الدهماء والسفلة، فقربهم وأدناهم، وأذكى بذلك حفيظة الخاصة، واشتد التقاطع بين الناس، واستوزر ابن سحنون أيضاً رجلا بدوياً من سفلة باجة، فاضطهد الناس، واجترأ على سفك الدماء، وأخذ أموال الناس بالباطل، وضربهم بالسياط، وعاونه في طغيانه وعسفه قاضي البلدة عمر بن زرقاج، وكان مغرضاً ظلوماً، واستبد ابن سحنون بأمره، وغلب رأي السفلة والفجار في كل شىء، وقتل بعض الأعيان والفقهاء ظلماً وعدواناً، واشتدت الفتنة بالمدينة، ووصلت أخبارها إلى إشبيلية.
كانت هذه حال مدينة باجة في أواخر سنة ٥٦٧ هـ (صيف سنة ١١٧٢ م) حينما كان الخليفة أبو يعقوب يوسف يسير في جيوشه إلى غزوة وبذة، ولم تكن هذه الأحوال بخافية على النصارى، وهم يحتلون يابرة وقصر أبي دانس القريبتين من باجة. وكان من الواضح أن مدينة هذه حالها لا يمكن أن تثبت أمام العدو المغير. ومن ثم فقد أعد ألفونسو هنريكيز عدته لافتتاح باجة، وسار إليها ومعه قائده ومعاونه جيرالدو سمبافور في قواته. وكان من سوء الطالع أن الحراسة بأبراج المدينة كانت مهملة، وكان بعض هذه الأبراج دون سمار (حراس) يلازمونها بالليل، لأن الوالي ابن سحنون كان يحبس رواتبهم ولا يدفعها، وكان برج القصبة المسمى " برج الحمام " قد ترك على هذا النحو دون سامر. ففي ليلة مستهل المحرم سنة ٥٦٨ هـ (٢٣ أغسطس سنة ١١٧٢ م) نفذ النصارى ضربتهم. وكانت ليلة مظلمة على النحو الذي كان يختاره جيرالدو سمبافور لإنزال ضرباته. فوصل النصارى إلى السور زحفاً على أيديهم وأرجلهم، ووضعوا السلالم على برج القصبة دون أن يشعر بهم أحد من السُّمَّار، ثم صاحوا صيحتهم المأثورة، وما كاد الوالي عمر بن سحنون وأهل المدينة يستيقظون من سباتهم حتى كان النصارى قد ملكوا برج القصبة، ثم احتلوا القصبة في الحال. وساد الذعر في المدينة،