للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعليل ذلك هو أن شارلمان شغل قبل كل شىء بخطورة الأنباء التي وصلته عن تحرك السكسونين، وهم ألد أعداء الفرنج وأخطرهم، فارتد أدراجه مسرعا ليخوض معهم حرباً جديدة استطالت زهاء سبع سنين، حتى تمت هزيمة زعيمهم فتكنت (أو فيدوكنت) نهائيا، وأرغم على التنصير في سنة ٧٨٥ م (١).

ولم يبق بيد شارلمان، بعد استنقاذ المسلمين للرهائن، سوى ثعلبة بن عبيد قائد عبد الرحمن، وقد لبث فترة أخرى معتقلا بفرنسا، حتى تمت المفاوضة بشأنه، وأطلق سراحه لقاء فدية كبيرة.

وهكذا اختتمت محاولة شارلمان غزو اسبانيا المسلمة والتدخل في شئونها، بنكبته والقضاء على زهرة جنده، وقد أسبلت هذه النكبة مدى حين سحابة على مجده الحربي. بيد أنها لم تكن كما سنرى آخر محاولة من نوعها لعاهل الفرنج، فإن السياسة الفرنجية لبثت بالرغم من هذه الصدمة المؤلمة، ترقب سير الحوادث في الأندلس لتجد فيها ثغرة تتخذها وسيلة لتحقيق غاياتها.

* * *

ونستطيع بعد أن استعرضنا أدوار هذه الموقعة الشهيرة التي تركت في عصرها أعظم صدى في الروايات الفرنجية (اللاتينية) والكنسية المعاصرة واللاحقة، وبعد أن سجلنا ممهداتها وحوادثها تفصيلا. أن نعود فنلقى نظرة مقارنة على موقف الروايات العربية واللاتينية إزاء الموقعة، وكيف تعاملها كل منها.

وأول ما يلفت النظر هو حسبما قدمنا، إيجاز الروايات العربية، في الوقت الذي تميل فيه الروايات اللاتينية إلى الإفاضة الواضحة. وقد كان خليقا بالرواية العربية أن تبسط القول في حوادث موقعة لها من الخطورة البالغة ما لموقعة " باب الشزري " خصوصاً وقد كان التفوق فيها للجانب الإسلامي. ولكن الرواية العربية لم تنظر إلى الموقعة إلا من حيث ارتباطها بحوادث الأندلس، ومن جهة أخرى فإنها لم تكن على علم تام بما يدور في الناحية الأخرى من جبال البرنيه، في مملكة الفرنج الشاسعة، ولم تقف على آثار الصدى الهائل الذي أحدثه تمزيق جيش شارلمان داخل مملكة الفرنج، وفي سائر الأمم المتصلة بها، ولاسيما القبائل السكسونية ألد أعداء الفرنج يومئذ.


(١) R.M. Pidal: ibid, p. ١٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>