في بعض غاراته إلى طريف والجزيرة الخضراء، وأصاب المسلمين من عدوانه وعيثه بلاء كثير. فخرج بقواته من آبلة واخترق قلب الأندلس جنوباً، حتى عبر نهر الوادي الكبير، من المخاضة الواقعة بين حصن بلمة وحصن الجرف، وانحدر إلى أحواز إستجّة، ثم اتجه صوب قرطبة، وعاث في واديها، وخرب الزروع واستاق من الماشية نحو خمسين ألفاً ومن البقر نحو مائتين. وأسر من المسلمين نيفاً ومائة وخمسين رجلا، ثم سار بغنائمه وأسراه غرباً صوب مخاضة بليارش على مقربة من بلدة القصر. وكان الخليفة في تلك الأثناء قد أمر بالتأهب لمحاربة القشتاليين، وقمع غارتهم، فخرج من إشبيلية في الثالث عشر من شهر شعبان (٥٦٨ هـ) جيش موحدي بقيادة السيد أبي زكريا يحيى ابن الخليفة، ومعه أخوه أبو إبراهيم إسماعيل، وعدة من الحفاظ والأشياخ وقوة مختارة من الفرسان والرجالة العرب بقيادة أشياخهم، وعبر هذا الجيش الموحدي نهر الوادي الكبير على عجل، وسار صوب قرطبة، فوصلها في السادس عشر من شعبان، وكان القشتاليون قد وصلوا عندئذ إلى بلدة القصر. واجتمع أقطاب الموحدين بالشيخ أبي حفص عمر، واستقر الرأي على مطاردة القشتاليين وقتالهم أينما كانوا، ولو في أراضي قشتالة ذاتها، وانضم الشيخ أبو حفص بقواته إلى الجيش الموحدي، واستعد بالميرة والعلوفات، وخرج الموحدون في أثر النصارى، تتقدمهم قوة من الطلائع بقيادة الحافظ أبي عمران موسى بن حمّو الصنهاجي صاحب يابرة، لتخبرهم تباعاً عن تحركات النصارى، وكان القشتاليون قد توقفوا في سهل متسع يعرف بفحص " كركوي " على مقربة من قلعة رباح. فأدرك الموحدون أنهم يريدون اللقاء في هذا المكان، فاستعدوا للمعركة في عزم وثقة، ولكنهم ما كادوا يقتربون من السهل، حتى عجل النصارى بالمسير، ولكنهم لما أيقنوا بأنه لا مفر من القتال، لجأوا إلى جبل وعر في نهاية السهل. فاندفع الموحدون وراءهم إلى أعلى الجبل، واشتبكوا معهم في معركة حامية. وكان الكونت خمينو، يراقب المعركة من خيمته في أعلى الجبل، ويحث جنوده على التفاني في القتال، ولكن ما كاد ينتصف النهار، حتى رجحت كفة الموحدين، ومزقت صفوف القشتاليين، وكثر القتل فيهم، ووصل الموحدون إلى خيمة الكونت خمينو، وقتلوه واحتزوا رأسه، ولم يفلت من القتل من النصارى سوى نحو مائتين، فروا في مختلف الأنحاء. وفني في هذه المعركة معظم أهل آبلة، واستولى المسلمون على عتاد