النصارى، وأسلابهم وخيولهم، واستنقذوا الأسرى المسلمين، واستردوا سائر الغنائم والماشية والدواب، وأعيدت بأمر الخليفة إلى أصحابها. وجمعت رؤوس النصارى، وحملت إلى الشيخ أبي حفص وابني الخليفة " وميزت " رأس الكونت خمينو، وأرسلت إلى الخليفة بإشبيلية، عن يد يحيى ابن الوزير أبي العلاء بن جامع فوصل إليها في ظرف يومين بعد رحلة مسرعة شاقة، ووصف للخليفة تفاصيل الموقعة المظفرة، وفي الحال قرعت الطبول إيذاناً بالنصر، وأقبل الناس للتهنئة.
وفي يوم الجمعة الحادي والعشرين من شعبان، وهو ثالث يوم بعد الموقعة، وصل الشيخ أبو حفص وصحبه إلى إشبيلية، واجتمع بالخليفة وأخيه السيد أبي حفص، بقصره بالقصبة، واصطف الموحدون من الأشياخ والطلبة والفقهاء والكتاب والخطباء، وأدخل المهنئون وفق مراتبهم. وخطب الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن عمر أولاً باللغة البربرية، ثم بالعربية، وخطب من بعده الحافظ أبو بكر بن الجد، فالقاضى أبو موسى عيسى بن عمران، فالفقيه أبو محمد المالقي. ثم أنشد الشعراء تهانيهم ومدائحهم، ووزعت عليهم الصلات، وكان يوماً حافلا (١).
وشجع هذا النصر الذي تلا فشل حملة وبذة الموحدين على الاضطلاع بغارات جديدة في أراضي النصارى. فجهزت حملة موحدية قوامها أربعة آلاف فارس، وقوة من أجناد الأندلس والعرب، بقيادة أبي يعقوب يوسف بن أبي عبد الله تيجيت وعبد الله بن إسحق بن جامع، ومعها مقادير عظيمة من الميرة والعتاد برسم مدينة بطليوس تحملها قافلة من ثلاثة آلاف دابة، وغادرت هذه الحملة إشبيلية، إلى بطليوس، وبعد أن سلمت أحمال الميرة إلى واليها أبي غالب بن أبي الحسين، سارت نحو الشمال الشرقي حتى وصلت إلى أحواز مدينة طلبيرة، الواقعة على نهر التاجُه غرب طليطلة، فعاثت في بسائطها، وقتلت وأسرت كثيراً من النصارى، واستولت على أكثر من ثلاثين ألفاً من الغنم والدواب، وعادت سالمة إلى إشبيلية.
ثم خرجت من بعدها حملة أخرى، وسارت إلى أراضي طليطلة، وعاثت فيها واستولت على كثير من الغنائم. وأدرك النصارى أن موجة الغزو الموحدي قد تشتد، وقد تتخذ صورة مزعجة، فجنحوا إلى المسالمة، وطلب المهادنة. وكان أول من سعى منهم إلى الصلح، الكونت نونيو دي لارا حاكم طليطلة، ثم تلاه
(١) ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة ١٩١ إلى ١٩٤ ب، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٩٩.