للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألفونسو الثامن ملك قشتالة، فبعث رسله إلى الخليفة، وحذا ألفونسو هنريكيز ملك البرتغال حذو ملك قشتالة فبعث رسله في طلب المهادنة والصلح. واستمرت المفاوضات نحو شهرين، وانتهت بعقد الهدنة بين الخليفة وبين الملوك النصارى، وذلك في شهر ذي الحجة سنة ٥٦٨ هـ (يوليه سنة ١١٧٣ م). وكان مما حمل الخليفة على إيثار الصلح والمهادنة رغبته في التفرغ لأعمال الإنشاء، وتعمير البلاد التي خربت أو أقفرت من جراء العدوان والغزو، مثل باجة وغيرها (١).

وكان من أثر عقد المهادنة بين الخليفة وبين ملك البرتغال، أن شعر حليفه وقائده السابق جيرالدو سمبافور أو جراندة الجليقي، أنه فقد مكانته، وأغلقت في وجهه فرص المغامرة، والعمل المثمر ضد الموحدين، ولم يجد أمامه خيراً من الدخول في خدمة الخليفة، فسار في صحبه، وهم ثلاثمائة وخمسون جندياً، إلى إشبيلية (سنة ٥٦٨ هـ - ١١٧٤ م) والتمس قبوله " عبداً وخديماً " للخليفة، فقبل الخليفة التماسه، ووصله بالإحسان والإكرام، واستمر الأمر على ذلك بضعة أشهر، ولكن ألفونسو هنريكيز، الذي لم يرقه تصرف قائده السابق لبث يرسل إليه سراً، أن يتحيل في الارتداد والعود، فضبطت بعض هذه المراسلات وظهر منها موقف جيرالدو المريب، فقبض عليه وعلى أصحابه، وأرسلوا إلى سجلماسة، واعتقلوا هنالك تحت رقابة شديدة. ثم حاول جيرالدو الفرار من معتقله ليجوز إلى البحر، فقبض عليه، وقتل واحتز رأسه، وانتهى بذلك وفي رواية أخرى أن جيرالدو لبث في خدمة الخليفة حتى غادر الخليفة إشبيلية إلى المغرب في شعبان سنة ٥٧١ هـ (مارس ١١٧٦ م)، فسار في ركابه، وعينه الخليفة للخدمة في " السوس " وهنالك اتصل جيرالدو بالمكاتبة سراً بمليكه السابق، وعرض عليه أن يجهز أسطولا لفتح هذه الناحية، وبذلك تمتلك البرتغال بعض مراكز على ساحل المغرب، فضبط الموحدون بعض هذه الرسائل (٢)، وأصدر الخليفة أوامره سراً إلى عامله بدرعة موسى بن عبد الصمد بأن يقسم جيرالدو


(١) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٩٥ أوب. وهنا ينتهي السفر الثاني من كتاب المن بالإمامة، وهو الذي وصل إلينا من مؤلف ابن صاحب الصلاة، ولم يصلنا شىء من السفر الثالث الذي يبدأ بحوادث سنة ٥٦٩ هـ.
(٢) أخبار المهدي بن تومرت ص ١٢٧، ويقول لنا البيذق إن مصرع جيرالدو كان في سنة ٥٦٥ هـ، والبيان المغرب القسم الثالث ص ١٠٣. وراجع H. Miranda ; Imperio Almohade, T. I. p. ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>