للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحابه على القبائل، ثم يقتل جيرالدو لما ثبت من خيانته، وبعث بجيرالدو إلى درعة فسار إليها مع أصحابه، وهنالك نفذت فيهم أوامر الخليفة.

وكانت أهم الحوادث في العامين التاليين، قبيل عودة الخليفة إلى المغرب، تتلخص في اهتمام الخليفة بتعمير قواعد الغرب، وفي تجدد الحرب مع ملك ليون. وقد بدأ الخليفة أعمال التعمير، بإصلاح حصن القلعة الواقع على مقربة من جنوب شرقي إشبيلية على النهير المتفرع من الوادي الكبير (١)، وكان قديماً حصنها الشرقي، وقد تهدم منذ أيام الفتنة الكبرى، وبقى خراباً حتى ذلك الوقت، فأمر الخليفة بإصلاحه وبنائه ليعود إلى الاضطلاع بمهمته الدفاعية القديمة، وكان ذلك في صفر سنة ٥٦٩ هـ.

وفي العام التالي كانت حركة تعمير مدينة باجة، التي خربها وهدمها ألفونسو هنريكيز قبل إخلائها. ففي شهر ربيع الآخر سنة ٥٧٠ هـ، استقبل الخليفة وفداً من أعيان أهل باجة السابقين، ووعدهم بتعمير مدينتهم لكي يعودوا إلى سكناها، ويسكنها معهم الموحدون، وعين لولايتهم الحافظ أبا بكر بن وزير، ثم سار أهل باجة إلى مدينتهم الخربة، وكانوا يومئذ نحو مائتي شخص من مختلف الأعمار، ونزلوا بقصبتها، وبنوا بابها، وأصلحوا ما تيسر من أطلالها. ثم لحق بهم عمر ابن تيمصلت والي شلب في نحو خمسمائة رجل من الفعلة والبنائين، ومعهم أقواتهم وأدواتهم، وأخذوا في بناء أسوارها فكملت في نحو شهر، وجاءت للعمل والبناء حشود أخرى، واستمر العمل في التعمير بهمة. وحدث خلال ذلك أن استبد والي باجة أبو بكر بن وزير وأساء السيرة، ونشب بينه وبين أهلها خلاف شديد وفتنة، فأمر الخليفة بعزله، وتعيين عمر بن تيمصلت والياً مكانه، فأحسن السيرة، وأقبل الناس على البناء والتعمير، وإنشاء الرباع والحدائق، وراجت الأحوال، وانتظم التعامل، واستعادت باجة سابق عمرانها ورونقها (٢).

وفي أثناء ذلك كانت الحرب قد نشبت بين الموحدين وبين فرناندو الثاني ملك ليون المسمى " بالببوج "، وكان فرناندو قد عقد الصلح والتحالف مع الخليفة الموحدي منذ سنة ٥٦٤ هـ (١١٦٩ م)، وعاونه الموحدون في حربه ضد آل لارا زعماء قشتالة، وأبدى هو، حينما حاصر البرتغاليون مدينة بطليوس، وكادوا يستولون


(١) وهو بالإسبانية Alcala de Guadaira ويسمى كذلك قلعة جابر.
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>