للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم قوادها. ومرض الخليفة، وأخوه السيد أبو حفص، وأشرفا على الهلاك، ولكن تداركتهما العناية حتى شفيا. ويروى ابن صاحب الصلاة عن السيد أبي علي

الحسين ولد الخليفة، أنه كان يموت كل يوم في القصور الملكية ثلاثون شخصاً حتى فني معظم رجال الحاشية والخدم والعبيد. واستمر هذا الوباء مدى أيام، وساد الروع حاضرة مراكش، حتى أنه لم يكن يدخلها أو يخرج منها أحد، وكان كل من خرج منها فاراً، أدركه الوباء في الطريق. ولم يكن عصف الوباء قاصراً على أهل المغرب، بل تعدى أثره إلى الأندلس، ولكن فيما يبدو بصورة مخففة. وكان من أعيان المتوفين به بالمغرب والأندلس غير من تقدم ذكرهم، القاضي أبو يوسف حجاج بن يوسف قاضي مراكش، وكان من أعلام عصره زهداً وعدلا وأدباً، والكاتب أبو الحكم بن هرودس المالقي، وأخوه أبو الحسن وكان من جلة الطلبة، والكاتب أبو الحسن على بن زيد الإشبيلى، ومشرف غرناطة أبو عمرو بن أفلح، وجملة كبيرة من أعيان الطلبة والموحدين في مختلف القواعد (١).

وما كادت تنقشع غمة الوباء حتى وقعت ثورة محلية بين عشائر صنهاجة القبلية، وذلك في أواخر سنة ٥٧٢ هـ (أوائل ١١٧٧ م)، فخرج الخليفة إلى غزوها في الرابع من شهر ذي القعدة، وترك أخاه السيد أبا حفص بمراكش والياً عليها، فلما وصل إلى رباط هسكورة في منطقة الأطلس، جنوب شرقي مراكش، أمر ببناء محلة للعسكر، وقدم عليهم ابنه السيد أبا يوسف يعقوب، وعاد إلى مراكش في الحادي والعشرين من ذي القعدة، ولم تلبث العشائر الثائرة أن أذعنت وعادت إلى الطاعة، وانصرف جميع الأجناد (٢).

وفي تلك الآونة بدأت حوادث الأندلس تتخذ وجهة خطيرة سواء في الشرق أو الغرب. وكان التهادن والصلح قد عقد بين الخليفة وبين الكونت نونيو دي لارا صاحب طليطلة، وألفونسو الثامن ملك قشتالة، وألفونسو هنريكيز ملك البرتغال، في سنة ٥٦٨ هـ (١١٧٣ م) أثناء إقامته بإشبيلية. ولكن الخليفة ما كاد يغادر شبه الجزيرة عائداً إلى المغرب في شعبان سنة ٥٧١ هـ، حتى عول النصارى على نقض الهدنة، واستئناف الغزو. ففي العام التالي، أعني سنة ٥٧٢ هـ (١١٧٧ م) وهي السنة التي عصف فيها الوباء بمراكش، خرج ألفونسو الثامن


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٠٩ و ١١٠، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٠
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>