للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملك قشتالة، ووصيه السابق الكونت نونيو دي لارا، لغزو الأراضي الإسلامية، واتجها بقواتهما صوب مدينة قونقة (كونكة) وهي تقع فوق ربوة عالية صعبة المنال عند ملتقى نهري شقر ووقر، في شمال شرقي الأندلس، وهي من حصون ولاية بلنسية الأمامية المنيعة، وضربا حولها الحصار (يناير سنة ١١٧٧ م). ويقول ماريانا، إن قونقة كانت من المدن التي أنشأها المسلمون في تلك المنطقة، لأنه لم يرد ذكرها في سير الرومان والقوط، وأن ملك أراجون كان مشتركاً في تلك الحملة، وقد تحالف مع ملك قشتالة على محاربة المسلمين، كما اشترك في الحملة إلى جانب الملكين عدد كبير من القادة ومشاهير الفرسان مثل بيدرو أسقف برغش، وسانشو صاحب آبلة، وريموندو صاحب بلازنسيا، وغيرهم (١). فبعث أهل قونقة إلى الخليفة بمراكش في طلب الغوث والنجدة، فبعث الخليفة إلى ولديه السيد أبي علي الحسين والي إشبيلية، والسيد أبي الحسن علي والي قرطبة، وأن يتحركا لغزو جهات طليطلة وطلبيرة، وذلك حتى يرغم القشتاليون على رفع الحصار عن قونقه. فخرج السيد أبو الحسن في عسكر قرطبة في اليوم السادس من شوال (أبريل ١١٧٧)، وأغار على أراضي طليطلة وأثخن فيها، وارتد بغنائمه سالماً إلى قرطبة. وخرج السيد أبو علي الحسين بعسكر إشبيلية في أربعة آلاف فارس، وأربعة آلاف راجل، وسار شمالا صوب طلبيرة، وعاث في أحوازها، واستولى على كثير من السبي والغنائم، وعبر نهر تاجُه في قارب كان قد حمله معه من إشبيلية على أكتاف الرجال، وفاء لنذر نذره. على أن هذه الحركة التي نظمها الموحدون لغزو أراضي قشتالة، لم تؤت ثمرتها في إنجاد قونقة، فقد لبث القشتاليون على حصارها، ولم تصدهم قسوة الشتاء، ولا مناعة المدينة المحصورة، ولا ضخامة حاميتها، عن المضي في إرهاقها والتضييق عليها. والظاهر من أقوال الرواية النصرانية أن الموحدين قد أرسلوا صوب قونقة بعض أمداد مباشرة لإنجادها، لكن هذه الأمداد عاقتها عن الوصول إلى المدينة المحصورة، قوات ملك أراجون حليف ملك قشتالة. وطال حصار قونقة زهاء تسعة أشهر من أواخر يناير سنة ١١٧٧ حتى أواخر سبتمبر، وفي النهاية اضطرت المدينة المسلمة، بعد أن استنفدت كل وسائل الدفاع، وبعد أن برّح بها الجوع والحرمان إلى التسليم إلى ملك قشتالة، وذلك في اليوم


(١) Mariana: Historia General de Espana ; Lib. Undecimo, Cap. XIV.

<<  <  ج: ص:  >  >>