للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٧٩ م)، وكان أبو حفص، منذ أيام أبيه الخليفة عبد المؤمن يشغل مكانة ملحوظة في الدولة الموحدية، وقد تولى في فتوته ولاية تلمسان، ثم وزر لأبيه بعد مصرع وزيره عبد السلام الكومي. ولما توفي عبد المؤمن سنة ٥٥٨ هـ، ْبثغر سلا، قام السيد أبو حفص مع الشيخ عمر بن يحيى الهنتاني كبير الأشياخ بتنظيم البيعة لأخيه الأصغر أبي يعقوب يوسف، تنفيذاً لوصية أبيه، ثم تولى له في البداية منصب الحجابة على نحو ما كان لأبيه. واضطلع السيد أبو حفص بأعظم قسط في حملة شرقي الأندلس، وفي الأعمال الحربية التي انتهت بتحطيم مملكة الشرق، وانتهاء ثورة ابن مردنيش، وكان على العموم يحتل في دولة أخيه الخليفة أبي يعقوب أعظم مكانة، وفي تدبير الأمور والبت فيها أعظم نصيب.

وفي نفس هذا العام أعني سنة ٥٧٥ هـ وقعت الثورة بمدينة قفصة الواقعة جنوبي القيروان على مشارف الصحراء. وكانت قفصة مذ ضعفت دولة بني باديس الصنهاجيين بإفريقية، منزل إمارة محلية في ظل بني الرند، وعميدهم عبد الله ابن محمد بن الرند، فاستقل بقفصة، وقوى أمره تباعاً، وبسط سلطانه على عدة من البلاد المجاورة حتى قسنطينة، ثم خلفه في الإمارة ولده المعتز، ثم حافده يحيى بن تميم بن المعتز. ولما قام عبد المؤمن في سنة ٥٥٤ هـ بغزوته لإفريقية، استولى على قفصة، ونقل بني الرند إلى بجاية، وعين لقفصة والياً موحدياً. وكان والي قفصة الموحدي حينما وقعت الثورة، عمران بن موسى الصنهاجي، وكان قد أساء السيرة، ووقع الاضطراب بالمدينة، فبعث لفيف من أهلها إلى بجاية في دعوة علي بن عبد العزيز بن الرند المعروف بالطويل، فقدم إليهم، واضطرمت الثورة، وقتل عمران بن موسى، واستبد ابن الرند بالمدينة، وكان يشجعه في ثورته، ويحرض العرب للانضمام إليه قريبه القائد على بن المنتصر من بجاية (١).

فلما نميت هذه الأنباء إلى الخليفة أبي يعقوب، اعتزم السير بنفسه إلى إفريقية، فخرج في قواته من مراكش في الخامس عشر من شوال سنة ٥٧٥ هـ (مارس سنة ١١٨٠ م)، ويروى لنا ابن صاحب الصلاة، أن البركة الدورية التي كانت تعطى للعسكر في تلك الغزوة كانت تبلغ في كل مرة ألف ألف دينار، سوى العلوفات والمرافق، مما يدل على ضخامة الجيش الذي حشد (٢)، واستمر الخليفة


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١٦٦.
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>