ومزقت صفوفهم، وولوا الأدبار، وقتل منهم حسبما تقول الرواية الإسلامية أكثر من عشرة آلاف بين فارس وراجل، واستولى المسلمون على عتادهم، ودوابهم. وعاد الموحدون إلى إشبيلية ظافرين مغتبطين، وبعث ابن وانودين إلى الخليفة بكتاب الفتح، فسر به، ولكنه أبدى غضبه على ولده السيد أبي إسحاق لأنه لم يحضر تلك الغزوة التي نسبت برمتها إلى ابن وانودين، مع أنه من جملة قواده، وعاقب كل من تخلف من الأجناد، وحرمهم من العطاء.
ومن جهة أخرى فإنه يبدو من رد الخليفة على ابن وانودين، وقوله في خطابه إليه " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ". يبدو من ذلك أن الخليفة قد غص بالانتصارات المتوالية التي أحرزها ابن وانودين، دون بقية الأشياخ والسادة. وكان أبو عبد الله محمد بن وانودين هذا، هو ولد أبي يعقوب يوسف ابن وانودين الهنتاني من كبار أهل خمسين، وقد نشأ في مهاد العلم، ونظمه الخليفة عبد المؤمن في مجلسه، وقربه إليه، ثم قدمه على العسكر وولاه القيادة وصحبه في سائر غزواته في إفريقية. ولما أوفد إلى الأندلس ظهر في محاربة ابن مردنيش ثم في هزيمته لنصارى شنترين، وفي قيادة قافلة الميرة إلى بطليوس، ثم في رد القشتاليين عن قرمونة، وأخيراً في غزوة طلبيرة. ومع ذلك كله فسرعان ما غضب عليه الخليفة لأتفه الأسباب، وذلك عند مقدمه إلى إشبيلية في العام التالي، حيث وشى في حقه الوشاة، فأمر بتغريبه إلى غافق، على مقربة من قلعة رباح، فلبث بها حيناً، ثم نزح إلى تونس واستقر بها (١).
- ٢ -
نرجع الآن قليلا إلى الوراء لنستعرض ما حدث في المغرب في تلك الأعوام القلائل التي اشتد فيها عدوان القشتاليين والبرتغاليين على الأندلس، والتي شغل فيها الخليفة بالأحداث الداخلية عن تجديد حركة الجهاد.
وكان من أهم الأحداث الداخلية، في تلك الفترة، وفاة السيد أبي حفص عمر بن عبد المؤمن أخي الخليفة أبي يعقوب، وكان أبو حفص شقيقه وكبيره، وأمهما حسبما تقدم حرة هي زينب بنت القاضي موسى بن سليمان الضرير، من أصحاب خمسين، وكانت وفاته في شهر ربيع الأول من سنة ٥٧٥ هـ (أغسطس