للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجالة ستمائة من ألف، وقد هلك الباقون من أثر الحصار والمرض والوباء، فأمر بإخلاء الحصن، والرحيل عنه وذلك في الخامس عشر من جمادى الثانية (١٦ سبتمبر سنة ١١٨٢ م) (١).

وما كادت تنتهي غزوة شنتفيلة، حتى قرر الموحدون استئناف الغزو، واهتم أبو عبد الله بن وانودين بحشد الجند، فاجتمع منهم بإشبيلية عدد جم، وفي الثامن من جمادى الآخرة سنة ٥٧٨ هـ (٩ سبتمبر ١١٨٢ م)، غادر إشبيلية في عسكره ومعه أشياخ الموحدين وأشياخ الأندلس، وسلك طريقاً منعرجة حتى وصل إلى حصن بتة، وهنالك ميز عسكره، وعقد الأشياخ مجلساً للشورى، تقرر فيه السير إلى غزو مدينة طلبيرة الواقعة غربي طليطلة على نهر التاجُه، وهي أولى مدن الحدود القشتالية. ومن ثم فقد اتجه الجيش الموحدي نحو الشمال، وعبر جبال الشارات (سييرا مورينا) ثم نهر وادي يانه، وكان الجو قاتماً ملبداً بالضباب، فسار حتى أضحى على مقربة من طلبيرة دون أن يفطن النصارى إلى مقدمه، وهنالك التقى الموحدون بسرية من النصارى في نحو عشرين فارساً، فأحدقوا بهم وأسروهم جميعاً إلا دليلهم فإنه نجح في الفرار. ولما أشرف الموحدون على وادي التاجُه، لم يجدوا أمامهم مغنماً، فعلموا أن الدليل الفار قد أخطر بمقدمهم، فأسرعوا السير حتى وصلوا إلى ظاهر طلبيرة، وذلك في منتصف جمادى الآخرة.

وفي اليوم التالي احتل الموحدون ربوة مرتفعة تقع على نحو ميل من المدينة، وضربوا محلتهم بها. ودهش النصارى لإقدام المسلمين على دخول بلادهم على هذا النحو، بعد أن مضت مدة طويلة لم يجرؤ أحد منهم على الظهور في تلك المنطقة، وفي الحال حشدوا قواتهم واستنجدوا بأهل الحصون المجاورة، وخرجوا لقتال الموحدين، وكان الموحدون خلال ذلك قد غادروا الربوة منصرفين، بعدما امتلأت أيديهم من الغنائم، فجد النصارى في اتباعهم مصممين على قتالهم، ولما أصبح الموحدون على قيد نحو ثمانية أميال من المدينة، توقفوا وراء أحد التلال واستعدوا للقاء النصارى، وابن وانودين يحثهم على الجهاد والتفاني، إذ هم في أراضي العدو بعيدين عن بلادهم. ثم نشبت المعركة المرتقبة بين الفريقين فثبت الموحدون، وحملوا على القشتاليين حملة صادقة، هزموا على أثرها،


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ١٢٠، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>