للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أراضي رندة والجزيرة، واستولوا على مقادير عظيمة من الغنائم من الماشية وغيرها. وكان استيلاء ألفونسو الثامن على حصن شنتفيلة (١) أخطر ما حققه القشتاليون في تلك الغزوة. وكان من أمنع حصون المنطقة الواقعة بين إشبيلية وقرطبة، يقع فوق ربوة عالية وله أسوار منيعة، فاستولى عليه القشتاليون في السابع عشر من صفر (٢٢ يونيه ١١٨٢ م) وأسروا من كان به من المسلمين، وعددهم سبعمائة بين رجال ونساء، فافتداهم أهل إشبيلية بمبلغ ألفين وسبعمائة وخمسة وسبعين ديناراً، جمعت من الناس بالمسجد الجامع. وعنى ألفونسو الثامن بتقوية الحصن، ومضاعفة أهباته الدفاعية، ووضع به حامية من خمسمائة فارس وألف راجل، وأسكنه بالنصارى وشحنه بالأقوات والعدد والسلاح، ويروى أنه قال، حين الاستيلاء على هذا الحصن: " الآن آخذ قرطبة وإشبيلية ". وأقلع ملك قشتالة بعد ذلك في قواته عائداً إلى بلاده، وذلك في الثالث عشر من ربيع الأول سنة ٥٧٨ هـ (١٧ يوليه ١١٨٢ م) بعد أن قضى في غزوته خمسة وأربعين يوماً (٢).

وأدرك الموحدون خطورة فقد حصن شنتفيلة، فقرروا العمل على استرداده. واستدعى السيد أبو إسحق ولد الخليفة ووالي إشبيلية، الحشود من سائر أنحاء الأندلس برسم الجهاد، وخرج في قواته في غرة ربيع الآخر سنة ٥٧٨ هـ.

وحدث في نفس الوقت أن خرجت حامية شنتفيلة النصرانية لتغير على بعض الأنحاء المجاورة، فخرج إليها المسلمون من قرمونة وغيرها، وقاتلوها وهزموها، وقتلوا منها سبعين فارساً، وأسروا جملة أخرى، واستاقوا الأسرى إلى السيد أبي إسحاق فأمر بإعدامهم في الطريق. وشجع هذا النصر المحلي، الموحدين على منازلة حصن شنتفيلة، فطوقوه من كل ناحية، وأحكموا حصاره، وقطعوا عنه المؤن والعلوفات، واستمر الحصار ستة وأربعين يوماً حتى مات أكثر الجند والدواب، وفي خلال ذلك خرج ألفونسو الثامن في قواته من طليطلة قاصداً إنجاد الحصن المحصور، ووصل نبأ مقدمه إلى الموحدين في السادس من جمادى الأولى، فرفعوا الحصار، وانصرفوا عائدين إلى إشبيلية. وعلى أثر ذلك وصل ألفونسو الثامن إلى الحصن فلم يجد به سوى خمسين فارساً، هم البقية من حاميته الخمسمائة، ومن


(١) وهو بالإسبانية Santafila
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>