للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومه، وبادر الجميع بالامتثال والرحيل، مبايعين ربهم على الجهاد في سبيله. وينوه الخليفة في رسالته، بأنه كان من أثر هذه الحركة أنه لم يبق بإفريقية من طوائف العرب، سوى من نزل من قبائل سليم بجهات طرابلس وما وراءها شرقاً نحو برقة والإسكندرية، وأن هؤلاء قد خوطبوا أيضاً بما خوطب به زملاؤهم، وكوتبوا، وبذلت لهم أطيب الوعود، وأنذروا في نفس الوقت، أملا في استمالتهم واستجلابهم إلى مشاركة إخوانهم.

وقد سبق أن أشرنا إلى خطة السياسة الموحدية في استمالة القبائل العربية النازلة بإفريقية وحشدها في الجيوش الموحدية، وهي الخطة التي وضعها الخليفة عبد المؤمن منذ افتتاحه لثغر المهدية في سنة ٥٥٥ هـ، وتابعها ولده الخليفة أبو يعقوب وضاعف اهتمامه بتنفيذها حسبما سبق أن فصلناه. وقد كان للسياسة الموحدية من تحقيق هذه الخطة هدف مزدوج أشارت إليه رسالة الفتح المتقدمة الذكر، وهو أولا تخليص إفريقية من طوائف العرب النازلة بها، وكف أيديهم عنها، وذلك لما كان من استطالتهم عليها، وتخريبهم لربوعها ومدنها، وثانياً لاستنفارهم إلى الجهاد والاستعانة بهم في تدعيم الجيوش الموحدية المرسلة إلى الغزو بالأندلس.

وقد استطاع الخليفة أبو يعقوب أن يحشد بالفعل منهم حشوداً عظيمة عبرت معه إلى الأندلس، واشتركت مع الجيوش الموحدية في غزوة وبذة وفي محاربة النصارى في مختلف الميادين في شبه الجزيرة. ولما أراد أبو يعقوب العودة إلى المغرب في سنة ٥٧١ هـ، فرق العرب الباقين في مختلف القواعد، فأنزل بعضهم في نواحي قرطبة، وبعضهم في نواحي إشبيلية الجنوبية، مما يلي مدينة شريش وأعمالها.

بيد أن السياسة الموحدية لم تجن خيراً من هذه الخطة في استمالة العرب وحشدهم إلى جانبها، وذلك لما كانوا يتسمون به من حب التقلب، ومجانبة الولاء، والسعي إلى اجتناء المغانم المادية بأي الوسائل. وسوف نرى فيما بعد، كيف انقلبوا إلى محاربة الدولة الموحدية، وغدوا من أخطر خصومها في منطقة إفريقية (١).

وحدث أيضاً أثناء وجود الخليفة بإفريقية، أن وفدت إليه رسل ملك صقلية، النورماني، وهو يومئذ وليم الطيب، يطلب الصلح والمهادنة، وكان ملوك صقلية


(١) راجع رسالة الخليفة أبي يعقوب المتضمنة لشرح مساعيه في حشد العرب في كتاب " مجموع رسائل موحدية ". الرسالة السادسة والعشرون ص ١٤٩ - ١٥٧، وراجع أيضاً كتاب المعجب للمراكشي ص ١٢٤ و ١٢٥، وروض القرطاس ص ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>