منذ استرد منهم عبد المؤمن ثغر المهدية، وقضى على سلطانهم في شواطىء إفريقية
قبل ذلك بعشرين عاماً، يخشون بأس الدولة الموحدية، ويؤثرون السلم معها.
ويقول لنا صاحب المعجب إن ملك صقلية عقد الصلح مع الخليفة على أن يحمل إليه إتاوة سنوية اتفق عليها، وأنه أرسل إلى الخليفة تحفاً وذخائر نفيسة منها حجر ياقوت يسمى " الحافر " لاستدارته بمثل حافر الفرس، وقد وضع في تابوت مصحف عثمان، الذي كان يبالغ الموحدون في تكريمه (١).
وعلى أثر افتتاح قفصة ارتحل الخليفة إلى تونس، وكتب من هنالك برسالة الفتح إلى حضرة مراكش، وإلى الأندلس -إلى إشبيلية وقرطبة- وبعث مع الرسالة بقصيدة طويلة من نظم طبيبه العلامة الفيلسوف أبي بكر بن طفيل، يشيد فيها بالفتح، وبالجيش الموحدي، وقد جاء في أولها:
ولما انقضى الفتح الذي كان يرتجى ... أصبح حزب الله أغلب غالب
وساعدنا التوفيق حتى تبينت ... مقاصدنا مشروحة بالعواقب
وأنجزنا وعد من الله صادق ... كفيل بإبطال الظنون الكواذب
وهبوا كما هب النسيم إذا سرى ... ولم يتركوا بالشرق علقة آيب
وأذعن من عليا هلال بن عامر ... أبي ولبى الأمر كل مجانب
يغص بهم عرض الفيافي وطولها ... وقد زحموا الآفاق من كل جانب
ولما وصل كتاب الفتح، وقصيدة ابن طفيل، إلى السيد أبي إسحاق ولد الخليفة ووالي إشبيلية، عم البشر والسرور، ومثل لديه أشياخ إشبيلية للتهنئة، وخطب بين يديه الفقيه ابن الجد، وأنشد أبو مروان عبد الملك بن صاحب الصلاة صاحب تاريخ " المن بالإمامة " قصيدة جاء فيها:
خير البشائر صوغت حمل المنى ... بقفول خير خليفة وإمام
وافت كما ابتسم الأمان لخائف ... وانهل أثر المحل سكب غمام (٢)
ثم قفل الخليفة عائداً إلى حضرة مراكش، فوصل إليها في شهر صفر سنة ٥٧٧ هـ، وعلى أثر وصوله، سارت وفود الأندلس إلى العدوة لتهنئته، يتقدمهم ولده السيد أبو إسحاق والي إشبيلية، وابن وانودين وغيره من أشياخ الموحدين،
(١) المراكشي في المعجب ص ١٤٢.
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ١١٥.